والفترة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعيسى عليه السلام قال قتادة : خمسمائة سنة وستون. وقال الضحاك : أربعمائة سنة وبضع وثلاثون سنة. وقيل : أربعمائة ونيف وستون. وذكر محمد بن سعد في كتاب الطبقات له عن ابن عباس : أن كان بين ميلاد عيسى والنبي عليهما الصلاة والسلام خمسمائة سنة وتسع وستون سنة، بعث في أولها ثلاثة أنبياء. وهو قوله تعالى :﴿إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ وهو شمعون وكان من الحواريين. وقال الكلبي مثل قول ابن عباس إلا أنه قال : بينهما أربعة أنبياء، واحد من العرب من بني عبس وهو خالد بن سنان الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلّم :"ضيعه قومه". وروي عن الكلبي أيضاً خمسمائة وأربعون. وقال وهب : ستمائة سنة وعشرون. وقيل : سبعمائة سنة. وقال مقاتل : ستمائة سنة، وروي هذا عن قتادة والضحاك. وذكر ابن عطية أن هذا روي في الصحيح. فإن كانا كما ذكر وجب أن لا يعدل عنه لسواه. وهذه التواريخ نقلها المفسرون من كتب اليونان وغيرهم ممن لا يتحرّى النقل. وذكر ابن سعد في الطبقات عن ابن عباس والزمخشري عن الكلبي قالا : كان بين موسى وعيسى ألف سنة وسبعمائة سنة، وألف نبيّ، زاد ابن عباس من بني إسرائيل دون من أرسل من غيرهم، ولم يكن بينهما فترة. والمعنى : الامتنان عليهم بإرسال الرسل على حين انطمست آثار الوحي، وهم أحوج ما يكونون إليه ليعدوه أعظم نعمة من الله وفتح باب إلى الرحمة، ويلزمهم الحجة فلا يعتلوا غداً بأنه لم يرسل إليهم من ينبههم من غلفتهم. وأن تقولوا : مفعول من أجله فقده البصريون : كراهة أو حذار أن تقولوا. وقدره الفراء : لئلا تقولوا. ويعني يوم القيامة على سبيل الاحتجاج.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٢
﴿فَقَدْ جَآءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ﴾ قيل : وفي الكلام حذف أي : لا تعتدوا فقد جاءكم بشير، أي لمن أطاع بالثواب، ونذير لمن عصى بالعقاب. وفي هذا ردّ على اليهود حيث قالوا : ما أنزل الله من كتاب بعد موسى ولا أرسل بعده.
﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ هذا عامّ فقيل على كل شيء من الهداية والضلال. وقيل : من البعثة وإمساكها. والأولى العموم فيندرج فيه ما ذكروا.
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِا يَـاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنابِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَءَاتَـاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَـالَمِينَ﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى بين تمرّد أسلاف اليهود على موسى، وعصيانهم إياه، مع تذكيره إياهم نعم الله وتعداده لما هو العظيم منها، وأن هؤلاء الذين هم بحضرة الرسول هم جارون معكم مجرى أسلافهم مع موسى. ونعمة الله يراد بها الجنس، والمعنى : واذكر لهم يا محمد على جهة إعلامهم بغيب كتبهم ليتحققوا نبوّتك. وينتظم في ذلك ذكر نعم الله عليهم، وتلقيهم تلك النعم بالكفر وقلة الطاعة. وعدّد عليهم من نعمه ثلاثاً : الأولى : جعل أنبياء فيهم وذلك أعظم الشرف، إذ هم الوسائط بين الله وبين خلقه، والمبلغون عن الله شرائعه. قيل : لم يبعث في أمّة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء. وقال ابن السائب ومقاتل : الأنبياء هنا هم السبعون الذين اختارهم موسى لميقات ربه، وكانوا من خيار قومه. وقيل : هم الذين أرسلوا من بعد في بني إسرائيل كموسى ذكره الماوردي وغيره، وعلى هذا القول يكون جعل لا يراد بها حقيقة الماضي بالفعل، إذ بعضهم كان قد ظهر عند خطاب موسى إياهم، وبعضهم لم يخلق بل أخبر أنه سيكون فيهم. الثانية : جعلهم ملوكاً ظاهره الامتنان عليهم بأن جعلهم ملوكاً إذ جعل منهم ملوكاً، إذ الملك شرف في الدنيا واستيلاء، فذكرهم بأن منهم قادة الآخرة وقادة الدنيا. وقال السدي وغيره : وجعلكم أحراراً تملكون ولا تملكون، إذ كنتم خدماً للقبط فأنقذكم منهم، فسمي استنقاذكم ملكاً. وقال قوم : جعلهم ملوكاً بإنزال المن والسلوى
٤٥٢
عليهم وتفجير الحجر لهم، وكون ثيابهم لا تبلى ولا تنسخ وتطول كلما طالوا، فهم ملوك لرفع هذه الكلف عنهم. وقال قتادة : ملوكاً لأنهم أول من اتخذ الخدام واقتنوا الأرقاء. وقال ابن عطية وقتادة : وإنما قال وجعلكم ملوكاً، لأنا كنا نتحدث أن أول من خدمه آخر من بني آدم. قال ابن عطية : وهذا ضعيف، لأن القبط كانوا يستخدمون بني إسرائيل. وظاهر أمر بني آدم أن بعضهم يسخر بعضاً مدة تناسلوا وكثروا انتهى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٢


الصفحة التالية
Icon