والتقديس : التطهير قيل : من الآفات. وقيل : من الشرك، جعلت مسكناً وقراراً للأنبياء، وغلبة الجبارين عليها لا يخرجها عن أن تكون مقدسة. وقيل : المقدسة المباركة طهرت من القحط والجوع، وغير ذلك قاله مجاهد. وقيل : سميت مقدسة لأن فيها المكان الذي يتقدس فيه من الذنوب، ومنه قيل : للسطل قدس لأنه يتوضأ به ويتطهر. ومعنى كتبها الله لكم : قسمها، وسماها، أو خط في اللوح أنها لكم مسكن وقرار. وقال ابن إسحاق : وهبها لكم. وقال السدي : أمركم بدخولها، وفي ذلك تنشيط لهم وتقوية إذا خبرهم بأنّ الله كتبها لهم. والظاهر استعمال كتب في الفرض كقوله :﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ و﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ وأما إن كان كتبها بمعنى خط في الأزل، وقضى، فلا يحتاج ظاهر هذا اللفظ ظاهر قوله : محرمة عليهم. فقيل : اللفظ عام. والمراد الخصوص كأنه قال : مكتوبة لبعضهم وحرام على بعضهم، أو ذلك مشروط بقيد امتثال القتال، فلم يمتثلوا، فلم يقع المشروط أو التحريم، مقيد بأربعين سنة فلما انقضت جعل ما كتب. وأما إن كان كتبها لهم بمعنى أمركم بدخولها، فلا يعارض التحريم. حرم عليهم دخولها وماتوا في التيه، ودخل مع موسى أبناؤهم الذين لم تحرم عليهم. وقيل : إن موسى وهارون عليهما السلام ماتا في التيه، وإنما خرج أبناؤهم مع حزقيل. وقال ابن عباس : كانت هبة، ثم حرمها عليهم بعصيانهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٢
﴿وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَـاسِرِينَ﴾ أي لا تنكصوا على أعقابكم من خوف الجبابرة جبناً وهلعاً. وقيل : حدثهم النقباء بحال الجبابرة رفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا : ليتنا متنا بمصر، وقالوا : تعالوا نجعل علينا رأساً ينصرف بنا إلى مصر. ويحتمل أن يراد : لا ترتدوا على أدباركم، في دينكم لمخالفتكم أمر ربكم وانقلابهم خاسرين، إن كان الارتداد حقيقياً وهو الرجوع إلى المكان الذي خرج منه فمعناه : يصيرون إلى الذل بعد العز والخلاص من أيدي القبط. وإن كان الارتداد مجازاً وهو ارتدادهم عن دينهم فمعناه : يخسرون خير الدنيا وثواب الآخرة. وحقيق بالخسران مَن خالف ما فرضه الله عليه من الجهاد وخالف أمره.
﴿قَالُوا يَـا أَبَانَا﴾ أي : قال النقباء الذين سيرهم موسى لكشف حال الجبابرة، أو قال رؤساؤهم الذين عادتهم أن يطلعوا على الأسرار وأن يشاوروا في الأمور. وهذا القول فيه بعد لتقاعسهم عن القتال أي : أنّ فيها من لا نطيق قتالهم. قيل : هم من بقايا عاد،
٤٥٤
وقيل : من الروم من ولد عيص بن إسحاق. وقرأ ابن السميقع : قالوا يا موسى فيها قوم جبارون.
﴿وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا﴾ هذا تصريح بالامتناع التام من أن يقاتلوا الجبابرة، ولذلك كان النفي بلن. ومعنى حتى يخرجوا منها : بقتال غيرنا، أو بسبب يخرجهم الله به فيخرجون.
﴿فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ وهذا توجيه منهم لأنفسهم بخروج الجبارين منها، إذ علقوا دخولهم على شرط ممكن وقوعه. وقال أكثر المفسرين : لم يشكوا فيما وعدهم الله به، ولكن كان نكوصهم عن القتال من خور الطبيعة والجبن الذي ركبه الله فيهم، ولا يملك ذلك إلا من عصمه الله وقال تعالى :﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلا مِّنْهُمْ﴾. وقيل قالوا ذلك على سبيل الاستبعاد أن يقع خروج الجبارين منها كقوله تعالى ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٢


الصفحة التالية
Icon