﴿وَمَآ أُوالَئاِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌا يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ﴾ ظاهر قوله : النبيون، الجمع. قالوا : وهم من لدن موسى إلى عيسى. وقال عكرمة : محمد ومن قبله من الأنبياء. وقيل : النبيون الذين هم على دين ابراهيم. وقال الحسن والسدي : هو محمد صلى الله عليه وسلّم، وذلك حين حكم على اليهود بالرجم وذكره بلفظ الجمع كقوله :﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ﴾ وصف مدح الأنبياء كالصفات التي تجري على الله تعالى، وأريد بإجرائها التعريض باليهود والنصارى، حيث قالت اليهود : إن الأنبياء كانوا يهوداً، والنصارى قالت : كانوا نصارى، فبين أنهم كانوا مسلمين، كما كان ابراهيم عليه السلام. ولذلك جاء :"هو سماكم المسلمين من قبل} ونبه بهذا الوصف أنّ اليهود والنصارى بعداء من هذا الوصف الذي هو الإسلام، وأنه كان دين الأنبياء كلهم قديماً وحديثاً. والظاهر أنّ الذين هادوا متعلق بقوله : يحكم بها النبيون. وقيل : بأنزلنا. وقيل : التقدير هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون. وفي قوله : للذين هادوا، تنبيه على أنهم ليسوا مسلمين، بل هم بعداء من ذلك. واللام في للذين هادوا إذا علقن بيحكم للاختصاص، فيشمل من يحكم له ومن يحكم عليه. وقيل : ثم محذوف أي : للذين هادوا وعليهم. وقيل : اللام بمعنى على، أي على الذين هادوا.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٥
ونبه بهذا الوصف أنّ اليهود والنصارى بعداء من هذا الوصف الذي هو الإسلام، وأنه كان دين الأنبياء كلهم قديماً وحديثاً. والظاهر أنّ الذين هادوا متعلق بقوله : يحكم بها النبيون. وقيل : بأنزلنا. وقيل : التقدير هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون. وفي قوله : للذين هادوا، تنبيه على أنهم ليسوا مسلمين، بل هم بعداء من ذلك. واللام في للذين هادوا إذا علقن بيحكم للاختصاص، فيشمل من يحكم له ومن يحكم عليه. وقيل : ثم محذوف أي : للذين هادوا وعليهم. وقيل : اللام بمعنى على، أي على الذين هادوا.
﴿وَالرَّبَّـانِيُّونَ وَالاحْبَارُ﴾ هما بمعنى واحد، وهم العلماء. قاله الأكثرون ومنهم : ابن قتيبة والزجاج. وقال مجاهد : الربانيون الفقهاء العلماء، وهم فوق الأحبار. وقال السدي : الربانيون العلماء، والأحبار الفقهاء. وقال ابن زيد : الربانيون الولاة، والأحبار العلماء. وقيل : الربانيون علماء النصارى، والأحبار علما اليهود، وقد تقدم شرح الرباني. وقال الزمخشري : والربانيون والأحبار الزهاد، والعلماء من ولد هارون الذين التزموا طريقة النبيين وجانبوا، دين اليهود. وقال السدي : المراد هنا بالربانيين والأحبار الذين يحكمون بالتوراة ابنا صوريا كان أحدهما ربانياً، والآخر حبراً، وكانا قد أعطيا النبي عهداً أن لا يسألهما عن شيء من أمر التوراة إلا أخبراه به، فسألهما عن أمر الرجم فأخبراه به على وجهه، فنزلت الآية مشيرة إليهما. قال ابن عطية : وفي هذا نظر. والرواية الصحيحة أن ابنا صوريا وغيرهم جحدوا أمر الرجم، وفضحهم فيه عبد الله بن سلام، وإنما اللفظ في كل حبر مستقيم فيما مضى من الزمان، وأما في مدة محمد صلى الله عليه وسلّم فلو وجد لأسلم، فلم يسم حبراً ولا ربانياً انتهى.
﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَـابِ اللَّهِ﴾ الباء في بما للسبب، وتتعلق
٤٩١
بقوله : يحكم. واستفعل هنا للطلب، والمعنى : بسبب ما استحفظوا. والضمير في استحفظوا عائد على النبيين والربانيين والأحبار أي : بسبب ما طلب الله منهم حفظهم لكتاب الله وهو التوراة، وكلفهم حفظها، وأخذ عهده عليهم في العمل بها والقول بها، وقد أخذ الله على العلماء حفظ الكتاب من وجهين : أحدهما : حفظه في صدورهم ودرسه بألسنتهم. والثاني : حفظه بالعمل بأحكامه واتباع شرائعه. وهؤلاء ضيعوا ما استحفظوا حتى تبدلت التوراة. وفي بناء الفعل للمفعول وكون الفعل للطلب ما يدل على أنه تعالى لم يتكفل بحفظ التوراة، بل طلب منهم حفظها وكلفهم بذلك، فغيروا وبدلوا وخالفوا أحكام الله بخلاف كتابنا، فإنّ الله تعالى قد تكفل بحفظه، فلا يمكن أن يقع فيه تبديل ولا تغيير. قال تعالى :﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَه لَحَـافِظُونَ﴾ وقيل : الضمير في استحفظوا عائد على الربانيين والأحبار فقط. والذين استحفظهم التوراة هم الأنبياء.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٥


الصفحة التالية
Icon