نهى تعالى المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى ينصرونهم ويستنصرون بهم، ويعاشرونهم معاشرة المؤمنين. وقراءة أبيّ وابن عباس : أرباباً مكان أولياء، بعضهم أولياء بعض جملة معطوفة من النهي مشعرة بعلة الولاية وهو اجتماعهم في الكفر والممالأة على المؤمنين، والظاهر أن الضمير في بعضهم يعود على اليهود والنصارى. وقيل : المعنى على أن ثمّ محذوفاً والتقدير : بعض اليهود أولياء بعض، وبعض النصارى أولياء بعض، لأن اليهود ليسوا أولياء النصارى، ولا النصارى أولياء اليهود، ويمكن أن يقال : جمعهم في الضمير على سبيل الإجمال، ودل ما بينهم من المعاداة على التفصيل، وأنّ بعض اليهود لا يتولى إلا جنسه، وبعض النصارى كذلك. قال الحوفي : هي جملة من مبتدأ وخبر في موضع النعت لأولياء، والظاهر أنها جملة مستأنفة لا موضع لها من الإعراب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٥
﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّه مِنْهُمْ﴾ قال ابن عباس : فإنه منهم في حكم الكفر، أي ومن يتولهم في الدين. وقال غيره : ومن يتولهم في الدنيا فإنه منهم في الآخرة. وقيل : ومن يتولهم منكم في العهد فإنه منهم في مخالفة الأمر. وهذا تشديد عظيم في الانتفاء من أهل الكفر، وترك موالاتهم، وأنحاء عبد الله بن أبي ومن اتصف بصفته. ولا يدخل في الموالاة لليهود والنصارى من غير مضافاة، ومن تولاهم بأفعاله دون معتقده ولا إخلال بإيمان فهو منهم في المقت والمذمّة، ومن تولاهم في المعتقد فهو منهم في الكفر. وقد استدل بهذا ابن عباس وغيره على جواز أكل ذبائح نصارى العرب، وقال : من دخل في دين قوم فهو منهم. وسئل ابن سيرين عن رجل يبيع داره لنصراني ليتخذها كنيسة : فتلا هذه الآية. وفي الحديث :"لا تراءى ناراهما" وقال عمر لأبي موسى في كاتبه النصراني : لا تكرموهم إذ أهانهم الله، ولا تأمنوهم إذ خوّنهم الله، ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله تعالى. وقال له أبو موسى لأقوام للبصرة إلا به، فقال عمر : مات النصراني والسلام.
﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ﴾ ظاهره العموم والمعنى على الخصوص، أي : من سبق في علم الله أنه لا يهتدي. قال ابن عطية : أو يراد التخصيص مدة الظلم والتلبس بفعله، فإن الظلم لا هدى فيه، والظالم من حيث هو ظالم ليس بمهتد في ظلمه. وقال أبو العالية : الظالم من أبي أن يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وقال ابن إسحاق : أراد المنافقين. وقيل : الظالم هو الذي وضع الولاية في غير موضعها. وقال الزمخشري قريباً من هذا، قال : يعني الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفر يمنعهم الله ألطافه، ويخذلهم مقتالهم انتهى. وهو على طريقة الاعتزال.
﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَـارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ﴾
٥٠٧
الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلّم، والذين في قلوبهم مرض عبد الله بن أبيّ ومن تبعه من المنافقين، أو من مؤمني الخزرج متابعة جهالة وعصبية، فهذا الصنف له حصة من مرض القلب قاله ابن عطية. ومعنى يسارعون فيهم : أي في موالاتهم ويرغبون فيها. وتقدّم الكلام في المرض في أول البقرة.
وقرأ ابراهيم بن وثاب : فيرى بالياء من تحت، والفاعل ضمير يعود على الله، أو الرأي. قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون الذين فاعل ترى، والمعنى : أن يسارعوا، فحذفت أن إيجازاً انتهى. وهذا ضعيف لأنّ حذف إنْ من نحو هذا لا ينقاس. وقرأ قتادة والأعمش : يسرعون بغير ألف من أسرع، وفترى أن كانت من رؤية العين كان يسارعون حالاً، أو من رؤية القلب ففي موضع المفعول الثاني، يقولون : نخشى أن تصيبنا دائرة، هذا محفوظ من قول عبد الله بن أُبيّ، وقاله معه منافقون كثيرون. قال ابن عباس : معناه نخشى أن لا يتم أمر محمد فيدور الأمر علينا. وقيل : الدائرة من جدب وقحط. ولا يميروننا ولا يقرضوننا. وقيل : دائرة تحوج إلى يهود وإلى معونتهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٥


الصفحة التالية
Icon