وابن عطية أن ﴿لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ هو المفعول الأول لاتخذوا و﴿دِينَهُمُ﴾ هو المفعول الثاني. قال الزمخشري : أي دينهم الذي كان يجب أن يأخذوا به ﴿لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ وذلك أن عبادتهم وما كانوا عليه من تحريم البحائر والسوائب وغير ذلك من باب اللعب واتباع هوى النفس والعمل بالشهوة، ومن جنس الهزل دون الجدّ واتخذوا ما هو لعب ولهو من عبادة الأصنام وغيرها ديناً لهم واتخذوا دينهم الذي كلفوه ودعوا إليه هو دين الإسلام ﴿لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ حيث سخروا به واستهزؤوا ؛ انتهى. فظاهر تقديره الثاني هو ما ذكرناه عنه. وقال ابن عطية : وأضاف الدين إليهم على معنى أنهم جعلوا اللهو واللعب ديناً ويحتمل أن يكون المعنى ﴿اتَّخَذُوا دِينَهُمْ﴾ الذي كان ينبغي لهم ﴿لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ ؛ انتهى. فتفسيره الأول هو ما ذكرناه عنه. قال الزمخشري : وقيل : جعل الله لكل قوم عيداً يعظمونه ويصلون فيه ويعمرونه بذكر الله والناس كلهم من المشركين، وأهل الكتاب اتخذوا عيدهم ﴿لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ غير المسلمين فإنهم اتخذوا دينهم عيدهم كما شرعه الله ومعنى ذرهم أعرض عنهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ولا تشغل قلبك بهم ؛ انتهى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٣
﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا ﴾ يحتمل أن يكون معطوفاً على الصلة وأن يكون استئناف إخبار أي خدعتهم الغرور وهي الأطماع فيما لا يتحصل فاغتروا بنعم الله ورزقه وإمهاله إياهم. وقيل : غرّتهم بتكذيبهم بالبعث. وقال أبو عبد الله الرازي : لأجل استيلاء حب الدنيا أعرضوا عن حقيقة الدين واقتصروا على تزيين الظواهر ليتوصلوا بها إلى حطام الدنيا ؛ انتهى. وقيل : من الغرّ بفتح الغين أي ملأت أفواههم وأشبعتهم. ومنه قول الشاعر :
ولما التقينا بالحليبة غرّنيبمعروفه حتى خرجت أفوق
ومنه غر الطائر فرخه.
﴿الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِا أَن تُبْسَلَ نَفْسُا بِمَا كَسَبَتْ﴾ الضمير في ﴿بِهِ﴾ عائد على القرآن أو على ﴿الدِّينِ﴾ أو على ﴿حِسَابَهُم﴾ ثلاثة أقوال : أولاها الأوّل كقوله :﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ وتبسل، قال ابن عباس : تفضح. وقال الحسن وعكرمة : تسلم. وقال قتادة : تحبس وترتهن. وقال الكلبي وابن زيد والأخفش : تجزي. وقال الضحاك : تحرق. وقال ابن زيد أيضاً : يؤخذ. وقال مؤرخ : تعذب. وقيل يحرم عليها النجاة ودخول الجنة. وقال أبو بكر : استحسن بعض شيوخنا قول من قال : تسلم بعملها لا تقدر على التخلص لأنه يقال : استبسل للموت أي رأى ما لا يقدر على دفعه واتفقوا على أن ﴿تُبْسَلَ﴾ في موضع المفعول من أجله وقدروا كراهة ﴿أَن تُبْسَلَ﴾ ومخافة ﴿أَن تُبْسَلَ﴾ ولئلا ﴿تُبْسَلَ﴾ ويجوز عندي أن يكون في موضع جر على البدل من الضمير، والضمير مفسر بالبدل وأضمر الإبسال لما في الإضمار من التفخيم كما أضمر الأمر والشأن وفسر بالبدل وهو الإبسال فالتقدير وذكر بارتهان النفوس وحبسها بما كسبت كما قالوا : اللهم صل عليه الرؤوف الرحيم وقد أجاز ذلك سيبويه قال : فإن قلت ضربت وضربوني قومك نصبت إلا في قول من قال : أكلوني البراغيث أو يحمله
١٥٥
على البدل من المضمر وقال أيضاً : فإن قلت ضربني وضربتهم قومك رفعت على التقديم والتأخير إلا أن تجعل هاهنا البدل كما جعلته في الرفع ؛ وقد روي قوله :
تنخل فاستاكت به عود أسحل
بجر عود على أنه بدل من الضمير والمعنى ﴿أَن تُبْسَلَ﴾ نفس تاركة للإيمان بما كسبت من الكفر أو بكسبها السوء. ﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أي من دون عذاب الله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٣
﴿وَلِيُّ﴾ فينصرها.
﴿وَلا شَفِيعٍ﴾ فيدفع عنها بمسألته وهذه الجملة صفة أو حال أو مستأنفة إخبار وهو الأظهر و﴿مِنْ﴾ لابتداء الغاية. وقال ابن عطية : ويجوز أن تكون زائدة ؛ انتهى، وهو ضعيف.
﴿وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَآ﴾ أي وإن تفد كل فداء والعدل الفدية لأن الفادي يعدل الفاء بمثله، ونقل عن أبي عبيدة أن المعنى بالعدل هنا ضدّ الجور وهو القسط أي وإن تقسط كل قسط بالتوحيد والانقياد بعد العناد وضعف هذا القول الطبري بالإجماع على أن توبة الكافر مقبولة، ولا يلزم هذا لأنه إخبار عن حالة يوم القيامة وهي حال معاينة وإلجاء لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، قالوا : وانتصب ﴿كُلَّ عَدْلٍ﴾ على المصدر ويؤخذ الضمير فيه عائد على المعدول به المفهوم من سياق الكلام ولا يعود على المصدر لأنه لا يسند إليه الأخذ وأما في ﴿لا يُؤْخَذْ مِنْهَآ﴾ عدل فمعنى المفدى به فيصح إسناده إليه ويجوز أن ينتصب كل عدل على المفعول به أي ﴿وَإِن تَعْدِلْ﴾ بذاتها ﴿كُلٌّ﴾ أي كل ما تفدى به ﴿لا يُؤْخَذْ مِنْهَآ﴾ ويكون الضمير على هذا عائداً على ﴿كُلَّ عَدْلٍ﴾ وهذه الجملة الشرطية على سبيل الفرض والتقدير لا على سبيل إمكان وقوعها.