﴿وَهُوَ الَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ جملة خبرية تتضمن التنبيه والتخويف لمن ترك امتثال ما أمر به من الإسلام والصلاة واتقاء الله، وإنما تظهر ثمرات فعل هذه الأعمال وحسرات تركها يوم الحشر والقيامة.
﴿وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ بِالْحَقِّ﴾ لما ذكر تعالى أنه إلى جزائه يحشر العالم وهو منتهى ما يؤول إليه أمرهم ذكر مبتدأ وجود العالم واختراعه له بالحق أي بما هو حق لا عبث فيه ولا هو باطل أي لم يخلقهما باطلاً ولا عبثاً بل صدراً عن حكمة وصواب وليستدل بهما على وجود الصانع إذ هذه المخلوقات العظيمة الظاهر عليها سمات الحدوث لا بد لها من محدث واحد عالم قادر مريد سبحانه وعلا. وقيل : معنى بالحق بكلامه في قوله للمخلوقات ﴿كُنَّ﴾ وفي قوله :﴿ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ والمراد في هذا ونحوه إنما هو إظهار انفعال ما يريد تعالى أن يفعله وإبرازه للوجود بسرعة وتنزيله منزلة ما يؤمر فيمتثل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٣
﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُا قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾ جوزوا في ﴿يَوْمٍ﴾ أن يكون معمولاً لمفعول فعل محذوف وقد روه واذكر الإعادة يوم يقول : كن أي يوم يقول للأجساد كن معادة ويتم الكلام عند قوله : كن، ثم أخبر بأنه يكون قوله : الحق الذي كان في الدنيا إخباراً بالإعادة فيكون قوله فاعلاً بفيكون أو يتم الكلام عند قوله : كن فيكون ويكون ﴿قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾ مبتدأ وخبراً. وقال الزجاج ﴿يَوْمَ يَقُولُ﴾ معطوف على الضمير من قوله
١٦٠
﴿وَاتَّقُوهُ﴾ أي واتقوا عقابه والشدائد ويوم فيكون انتصابه على أنه مفعول به لا ظرف. وقيل :﴿وَيَوْمَ﴾ معطوف على ﴿السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ والعامل فيه خلق، وقيل : العامل اذكر أو معطوفاً على قوله بالحق إذ هو في موضع نصب ويكون ﴿يَقُولُ﴾ بمعنى الماضي كأنه قال وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق ويوم قال لها كن ويتم الكلام عند قوله فيكون، ويكون ﴿قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾ مبتدأً وخبراً أو يتم عند ﴿كُنَّ﴾ ويبتدىء ﴿فَيَكُونُا قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾ أي يظهر ما يظهر وفاعل يكون ﴿قَوْلُهُ﴾ و﴿الْحَقِّ﴾ صفة و﴿يَكُونَ﴾ تامة وهذه الأعاريب كلها بعيدة ينبو عنها التركيب وأقرب ما قيل ما قاله الزمخشري وهو أن قوله الحق مبتدأ والحق صفة له و﴿يَوْمَ يَقُولُ﴾ خبر المبتدأ فيتعلق بمسْتقر كما تقول يوم الجمعة القتال واليوم بمعنى الحين والمعنى أنه خلق السموات والأرض قائماً بالحق والحكمة وحين يقول للشيء من الأشياء كن فيكون ذلك الشيء قوله الحق والحكمة أي لا يكون شيء من السموات والأرض وسائر المكونات إلا عن حكمة وصواب، وجوز الزمخشري وجهاً آخر وهو أن يكون قوله الحق فاعلاً بقوله فيكون فانتصاب يوم بمحذوف دل عليه قوله بالحق كأنه قيل : كن يوم بالحق وهذا إعراب متكلف.
﴿وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ﴾ قيل ﴿يَوْمٍ﴾ بدل من قوله ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ﴾، وقيل : منصوب بالملك وتخصيصه بذلك اليوم كتخصيصه بقوله :﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ وبقوله :﴿وَالامْرُ يومئذ لِّلَّهِ﴾ وفائدته الإخبار بانفراده بالملك حين لا يمكن أن يدعي فيه ملك، وقيل هو في موضع نصب على الحال وذو الحال الملك والعامل له، وقيل هو في موضع الخبر لقوله :﴿قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾ أي يوم ينفخ في الصور، وقيل ظرف لقوله ﴿تُحْشَرُونَ﴾ أو أو ﴿عَـالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَـادَةِ﴾. وقرأ الحسن في الصور وحكاها عمرو بن عبيد عن عياض ويؤيد تأويل من تأوله أن الصور جمع صورة كثومة وثوم والظاهر أن ثم نفخاً حقيقة، وقيل : هو عبارة عن قيام الساعة ونفاد الدنيا واستعارة. وروي عن عبد الوارث عن أبي عمرو ننفخ بنون العظمة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٣
﴿عَـالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَـادَةِ﴾ أي هو عالم أو مبتدأ على تقدير من النافخ أو فاعل بيقول أو بينفخ محذوفة يدل عليه ينفخ نحو رجال بعد قوله :﴿يُسَبِّحُ﴾ بفتح الباء وشركاؤهم بعد ﴿زُيِّنَ﴾ مبنياً للمفعول ورفع قتل ونحو ضارع لخصومة بعد ليبك يزيد التقدير يسبح له رجال وزينه شركاؤهم ويبكيه ضارع أو نعت للذي أقوال أجودها الأول والغيب والشهادة يعمان جميع الموجودات، وقرأ الأعمش عالم بالخفض ووجه على أنه بدل من الضمير في له أو من رب العالمين أو نعت للضمير في له، والأجود الأول لبعد المبدل منه في الثاني وكون الضمير الغائب يوصف وليس مذهب الجمهور إنما أجازه الكسائي وحده.
﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ لما ذكر خلق الخلق وسرعة إيجاده لما يشاء وتضمن البعث إفناءهم قبل ذلك ناسب ذكر الوصف بالحكيم ولما ذكر أنه عالم الغيب والشهادة ناسب ذكر الوصف بالخبير إذ هي صفة تدل على علم ما لطف إدراكه من الأشياء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٣