الاحتجاج من قوله ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ﴾ إلى قوله ﴿وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ وهذا الظاهر، وأضافها إليه تعالى على سبيل التشريف وكان المضاف إليه بنون العظمة لإيتاء المتكلم و﴿ءَاتَيْنَـاهَآ﴾ أي أحضرناها بباله وخلقناها في نفسه إذ هي من الحجج العقلية، أو ﴿ءَاتَيْنَـاهَآ﴾ بوحي منا ولقناه إياها وإن أعربت وتلك مبتدأ وحجتنا بدلاً خيرا لـ(تلك) لم يخبر أن يتعلق (على قومه) بـ(حجتنا) كذا ابدأ(وتلك حجتنا) مبتدأ وخبر حال العامل فيها اسم الإشارة لأن الحجة ليست مصدراً وإنما هو الكلام المؤلف للاستدلال على الشيء ولو جعلناه مصدراً مجازاً لم يجز ذلك أيضاً لأنه لا يفصل بالخبر ولا بمثل هذه الحال بين المصدر ومطلوبه، وأجاز الحوفي أن يكون﴿حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَـاهَآ﴾ في موضع النعت لحجتنا والنية فيها الانفصال والتقدير : وتلك حجة لنا آتيناها انتهى، وهذا بعيد جداً. وقال الحوفي : وهاء مفعول أول وإبراهيم مفعول ثان وهذا قد قدمنا أنه مذهب السهيلي، وأما مذهب الجمهور فالهاء مفعول ثان وابراهيم مفعول أول، وقال الحوفي وابن عطية ﴿عَلَى قَوْمِهِ﴾ متعلق. قال ابن عطية أظهرناها لإبراهيم على قومه، وقال أبو البقاء : بمحذوف تقديره حجة على قومه ودليلاً، وقال الزمخشري :﴿ءَاتَيْنَـاهَآ إِبْرَاهِيمَ عَلَى ﴾ أرشدناه إليها ووفقناه لها وهذا تفسير معنى، ويجوز أن يكون في موضع الحال وحذف مضاف أي ﴿إِبْرَاهِيمَ عَلَى ﴾ مستعلية على حجج قومه قاهرة لها.
﴿نَرْفَعُ دَرَجَـاتٍ مَّن نَّشَآءُ﴾ أي مراتب ومنزلة من نشاء وأصل الدرجات في المكان ورفعها بالمعرفة أو بالرسالة أو بحسن الخلق أو بخلوص العمل في الآخرة أو بالنبوة والحكمة في الدنيا أو بالثواب والجنة في الآخرة، أو بالحجة والبيان، أقوال أقر بها الأخير لسياق الآية ونوّن درجات الكوفيون وأضافها الباقون ونصبوا المنون على الظرف أو على أنه مفعول ثان، ويحتاج هذا القول إلى تضمين نرفع معنى ما يعدّي إلى اثنين أي نعطي من نشاء درجات.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦١
﴿إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ أي ﴿حَكِيمٌ﴾ في تدبير عباده ﴿عَلِيمٌ﴾ بأفعالهم أو حكيم في تقسيم عباده إلى عابد صنم وعابد الله ﴿عَلِيمٌ﴾ بما يصدر بينهم من الاحتجاج، ويحتمل أن يكون الخطاب في ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ للرسول ويحتمل أن يكون المراد به إبراهيم فيكون من باب الالتفات والخروج من ضمير الغيبة إلى ضمير الخطاب على سبيل التشريف بالخطاب.
﴿وَ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ ﴿إِسْحَـاقَ﴾ ابنه لصلبه من سارة و﴿يَعْقُوبَ﴾ ابن إسحاق كما قال تعالى :﴿فَبَشَّرْنَـاهَا بِإِسْحَـاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَـاقَ يَعْقُوبَ﴾، وعدد تعالى نعمه على إبراهيم فذكر إيتاءه الحجة على قومه، وأشار إلى رفع درجاته وذكر ما منّ به عليه من هبته له هذا النبي الذي تفرعت منه أنبياء بني إسرائيل، ومن أعظم المنن أن يكون من نسل الرجل الأنبياء والرسل ولم يذكر إسماعيل مع إسحاق. قيل : لأن المقصود بالذكر هنا أنبياء بني إسرائيل وهم بأسرهم أولاد إسحاق ويعقوب ولم يخرج من صلب إسماعيل نبي إلا محمد صلى الله عليه وسلّم ولم يذكره في هذا المقام لأنه أمره عليه السلام أن يحتج على العرب في نفي الشرك بالله بأن جدّهم إبراهيم لما كان موحداً لله متبرئاً من الشرك رزقه الله أولاً ملوكاً وأنبياء، والجملة من قوله :﴿وَوَهَبْنَا﴾ معطوفة على قوله :﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ﴾ عطف فعلية على اسمية، وقال ابن عطية :﴿وَوَهَبْنَا﴾ عطف على ﴿ءَاتَيْنَـاهَآ﴾ انتهى. ولا يصح هذا لأن ﴿ءَاتَيْنَـاهُمُ﴾ لها موضع من الإعراب إما خبر. وإما حال ولا يصح في ﴿وَوَهَبْنَا﴾ شيء منهما.
﴿كُلا هَدَيْنَا ﴾ أي كل واحد من إسحاق ويعقوب هدينا.
﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ﴾ لما ذكر شرف أبناء إبراهيم ذكر شرف آبائه فذكر نوحاً الذي هو آدم الثاني وقال :﴿مِن قَبْلُ﴾ تشبيهاً على قدمه
١٧٢
وفي ذكره لطيفة وهي أن نوحاً عليه السلام عبدت الأصنام في زمانه، وقومه أول قوم عبدوا الأصنام ووحد هو الله تعالى ودعا إلى عبادته ورفض تلك الأصنام وحكى الله عنه مناجاته لربه في قومه حيث قالوا : لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودًّا ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً} وكان إبراهيم عبدت الأصنام في زمانه ووحد هو الله تعالى ودعا إلى رفضها فذكر الله تعالى نوحاً وأنه هداه كما هدى إبراهيم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦١
وكان إبراهيم عبدت الأصنام في زمانه ووحد هو الله تعالى ودعا إلى رفضها فذكر الله تعالى نوحاً وأنه هداه كما هدى إبراهيم.