﴿ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ﴾ حال من مفعول ذرهم أي من ضمير ﴿لِّلنَّاسِا تَجْعَلُونَه قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلا ءَابَآؤُكُم قُلِ اللَّه ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ﴾ و﴿فِى خَوْضِهِمْ﴾ متعلق بـ﴿ذَرْهُمْ﴾ أو بـ﴿يَلْعَبُونَ﴾ أو حال من ﴿يَلْعَبُونَ﴾ وظاهر الأمر أنه موادعة فيكون منسوخاً بآيات القتال وإن جعل تهديداً أو وعيداً خالياً من موادعة فلا نسخ.
﴿وَهَـاذَا كِتَـابٌ أَنزَلْنَـاهُ مُبَارَكٌ﴾
١٧٨
أي وهذا القرآن لما ذكر وقرر أن إنكار من أنكر أن يكون الله أنزل على بشر شيئاً وحاجهم بما لا يقدرون على إنكاره أخبر أن هذا الكتاب الذي أنزل على الرسول مبارك كثير النفع والفائدة، ولما كان الإنكار إنما وقع على الإنزال فقالوا :﴿أَنزَلَ اللَّه وَلا﴾، وقيل :﴿قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَـابَ﴾ كان تقديم وصفه بالإنزال أكد من وصفه بكونه مباركاً ولأن ما أنزل الله تعالى فهو مبارك قطعاً فصارت الصفة بكونه مباركاً، كأنها صفة مؤكدة إذ تضمنها ما قبلها، فأما قوله :﴿وَهَـاذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَـاهُ﴾ فلم يرد في معرض إنكار أن ينزل الله شيئاً بل جاء عقب قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى وَهَـارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ﴾ ذكر أن الذي آتاه الرسول هو ذكر مبارك ولما كان الإنزال يتجدد عبر بالوصف الذي هو فعل، ولما كان وصفه بالبركة وصفاً لا يفارق عبر بالاسم الدال على الثبوت.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦١
﴿مُّصَدِّقُ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي من كتب الله المنزلة، وقيل التوراة، وقيل البعث، قال ابن عطية : وهذا غير صحيح لأن القرآن هو بين يدي القيامة.
﴿وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ أم القرى مكة وسميت بذلك لأنها منشأ الدين ودحو الأرض منها ولأنها وسط الأرض ولكونها قبلة وموضع الحج ومكان أول بيت وضع للناس، والمعنى :﴿وَلِتُنذِرَ﴾ أهل ﴿أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ وهم سائر أهل الأرض قاله ابن عباس، وقيل : العرب وقد استدل بقوله :﴿أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ طائفة من اليهود زعموا أنه رسول إلى العرب فقط، قالوا :﴿وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ هي القرى المحيطة بها وهي جزيرة العرب، وأجيب بأن ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ عام في جميع الأرض ولو فرضنا الخصوص لم يكن في ذكر جزيرة العرب دليل على انتفاء الحكم عن ما سواها إلا بالمفهوم وهو ضعيف، وحذف أهل الدلالة المعنى عليه لأن الأبنية لا تنذر كقوله :﴿وَسْـاَلِ الْقَرْيَةَ﴾ لأن القرية لا نسأل ولم تحذف من فيعطف ﴿حَوْلَهَا ﴾ على ﴿أُمَّ الْقُرَى ﴾ وإن كان من حيث المعنى كان يصح لأن حول ظرف لا يتصرف فلو عطف على أم القرى لزم أن يكون مفعولاً به لعطفه على المفعول به وذلك لا يجوز لأن في استعماله مفعولاً به خروجاً عن الظرفية وذلك لا يجوز فيه لأنه كما قلنا لم تستعمله العرب إلاّ لازم الظرفية غير متصرف فيه بغيرها، وقرأ أبو بكر لينذر أي القرآن بمواعظه وأوامره، وقرأ الجمهور ﴿وَلِتُنذِرَ﴾ خطاباً للرسول والمعنى ﴿وَلِتُنذِرَ﴾ به أنزلناه فاللام تتعلق بمتأخر محذوف دل عليه ما قبله، وقال الزمخشري :﴿وَلِتُنذِرَ﴾ معطوف على ما دل عليه صفة الكتاب كأنه قيل : أنزلنا للبركات وتصديق ما تقدمه من الكتب والإنذار.
﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِا﴾ الظاهر أن الضمير في ﴿بِهِ﴾ عائد على الكتاب أي الذين يصدقون بأن لهم حشراً ونشراً وجزافء تؤمنون بهذا الكتاب لما انطوى عليه من ذكر الوعد والوعيد والتبشير والتهديد، إذ ليس فيه كتاب من الكتب الإلهية ولا في شريعة من الشرائع ما في هذا الكتاب ولا ما في هذه الشريعة من تقدير يوم القيامة والبعث، والمعنى : يؤمنون به الإيمان المعتضد بالحجة الصحيحة وإلا فأهل الكتاب يؤمنون بالبعث ولا يؤمنون بالقرآن واكتفى بذكر الإيمان بالبعث وهو أحد الأركان الستة التي هي واجب الوجود والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر لأن الإيمان به يستلزم الإيمان بباقيها ولإسماع كفار العرب وغيرهم ممن لا يؤمن بالبعث، أن من آمن بالبعث آمن بهذا الكتاب وأصل الدين خوف العاقبة فمن خالفها لم يزل به الخوف حتى يؤمن، وقيل : يعود الضمير على رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦١
﴿وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ خص الصلاة لأنها عماد الدين ومن حافظ عليها كان محافظاً على أخواتها ومعنى المحافظة المواظبة على أدائها في أوقاتها على أحسن ما توقع عليه والصلاة أشرف العبادات بعد
١٧٩