﴿وَجَنَّـاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ﴾ قراءة الجمهور بكسر التاء عطفاً على قوله نبات وهو من عطف الخاص على العام لشرفه ولما جرد النخل جردت ﴿جَنَّـاتُ﴾ الأعناب لشرفهما، كما قال :﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَه جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ وقرأ محمد بن أبي ليلى والأعمش وأبو بكر في رواية عنه عن عاصم ﴿وَجَنَّـاتٍ﴾ بالرفع وأنكر أبو عبيد وأبو حاتم هذه القراءة حتى قال أبو حاتم : هي محال لأن الجنات من الأعناب لا تكون من النخل ولا يسوغ إنكار هذه القراءة ولها التوجيه الجيد في العربية وجهت على أنه مبتدأ محذوف الخبر فقدره النحاس ولهم جنات وقدره ابن عطية، ولكم جنات وقدره أبو البقاء ومن الكرم جنات وقدره ومن الكرم لقوله :﴿وَمِنَ النَّخْلِ﴾ وقدره الزمخشري وثم جنات أي مع النخل ونظيره قراءة من قرأ ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ بالرفع بعد قوله :﴿يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِين﴾ الآية وتقديره ولهم حور وأجاز مثل هذا سيبويه والكسائي والفراء ومثله كثير وقدر الخبر أيضاً مؤخراً تقديره ﴿وَجَنَّـاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ﴾ أخرجناها ودل على تقديره قوله قبل :﴿فَأَخْرَجْنَا﴾ كما تقول : أكرمت عبد الله وأخوه التقدير وأخوه أكرمته فحذف أكرمته لدلالة أكرمت عليه، ووجهها الطبري على أن ﴿وَجَنَّـاتٍ﴾ عطف على ﴿قِنْوَانٌ﴾، قال ابن عطية : وقوله ضعيف، وقال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون معطوفاً على ﴿قِنْوَانٌ﴾ لأن العنب لا يخرج من النخل، وقال الزمخشري : وقد ذكر أن في رفعه وجهين أحدهما أن يكون مبتدأ محذوف الخبر تقديره وثم جنات وتقدّم ذكر هذا التقدير عنه، قال : والثاني أن يعطف على ﴿قِنْوَانٌ﴾ على معنى وحاصله أو ومخرجه من النخل قنوان ﴿وَجَنَّـاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ﴾ أي من نبات أعناب انتهى، وهذا العطف هو على أن لا يلاحظ فيه قيد من النخل فكأنه قال ﴿وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾ ﴿جَنَّـاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَـابٍ﴾ حاصلة كما تقول من بني تميم رجل عاقل ورجل من قريش منطلقان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٣
﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَـابِهٍ﴾ قرىء بالنصب إجماعاً. قال ابن عطية : عطفاً على حباً. وقيل : عطفاً على نبات، وقال الزمخشري : وقرىء وجنات بالنصب عطفاً على نبات كل شيء أي
١٩٠
وأخرجنا به ﴿جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ وكذلك قوله :﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ﴾. انتهى فظاهره أنه معطوف على نبات كما أن ﴿وَجَنَّـاتٍ﴾ معطوف عليه، قال الزمخشري : والأحسن أن ينتصب على الاختصاص كقوله :﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَواةَ﴾ لفضل هذين الصنفين انتهى، قال قتادة : يتشابه في الورق ويتباين في الثمر وتشابه الورق في الحجم وفي اشتماله على جميع الغصن، وقال ابن جريج : متشابهاً في النظر وغير متشابه في الطعم مثل الرمانتين لونهما واحد وطعمهما مختلف، وقال الطبري : جائز أن يتشابه في الثمر يتباين في الطعم ويحتمل أن يريد تشابه الطعم وتباين النظر، وهذه الأحوال موجودة في الاعتبار في أنواع الثمرات، وقال الزمخشري : بعضه متشابه وبعضه غير متشابه في القدر واللون والطعم وذلك دليل على أن التعمد دون الإهمال انتهى، وقرأ الجمهور : مشتبهاً وقرىء شاذاً متشابهاً وهما بمعنى واحد كاختصم وتخاصم واشترك واستوى وتساوى ونحوها مما اشترك فيه باب الافتعال والتفاعل، وانتصب مشتبهاً على أنه حال من الرمان لقربه وحذفت الحال من الأول أو حال من الأول لسبقه فالتقدير ﴿وَالزَّيْتُونِ﴾ مشتبهاً وغير متشابه ﴿وَالرُّمَّانَ﴾ كذلك هكذا قدره الزمخشري وقال كقوله : كنت منه ووالدي بريئاً. انتهى.
فعلى تقديره يكون تقدير البيت كنت منه بريئاً ووالدي كذلك أي بريئاً والبيت لا يتعين فيه ما ذكر لأن بريئاً على وزن فعيل كصديق ورفيق، فيصح أن يخبر به عن المفرد والمثنى والمجموع فيحتمل أن يكون بريئاً خبر كان على اشتراك الضمير، والظاهر المعطوف عليه فيه إذ يجوز أن يكون خبراً عنهما ولا يجوز أن يكون حالاً منهما وإن كان قد أجازه بعضهم إذ لو كان حالاً منهما لكان التركيب متشابهين وغيره متشابهين، وقال الزجاج : قرن الزيتون بالرمان لأنهما شجرتان تعرف العرب أن ورقهما يشتمل على الغصن من أوله إلى آخره، قال الشاعر :
بورك الميت الغريب كما بورك نضج الرمان والزيتون
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٣


الصفحة التالية
Icon