وقال عطاء : أما أعداء النبي صلى الله عليه وسلّم من شياطين الإنس : فالوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأبو جهل بن هشام والعاصي بن عمرو، وزمعة بن الأسود والنضر بن الحارث والأسود بن عبد الأسد وعتبة وشيبة ابن ربيعة وعتبة بن أبي معيط والوليد بن عتبة وأبيّ وأمية ابنا خلف، ونبيه ومنبه ابن الحجاج، وعتبة بن عبد العزى، ومعتب بن عبد العزى. وفي الحديث :"ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال :"ولا أنا إلا أن الله عافاني وأعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير".
وقيل : الإضافة ليست من باب إضافة الصفة للموصوف بل هي من باب غلام زيد أي شياطين الإنس والجن، أي متمردين مغوين لهم. وعلى هذا فسره عكرمة والضحاك والسدّي والكلبي قالوا : ليس من الإنس شياطين والمعنى شياطين الإنس التي مع الإنس، وشياطين الجن التي مع الجن، قسم إبليس جنده فريقاً إلى الإنس وفريقاً إلى الجنّ، يتلاقون فيأمر بعض بعضاً أن يضل صاحبه بما أضل هو به صاحبه، ورجحت هذه الإضافة الإضافة المغايرة بين المضاف والمضاف إليه، ورجحت الإضافة السابقة بأن المقصود التسلّي والائتسا بمن سبق من الأنبياء، إذ كان في أممهم من يعاديهم كما في أمّة محمد من كان يعاديه، وهم شياطين الإنس والظاهر في جعلنا أنه تعالى هو مصيرهم أعداء للأنبياء والعداوة للأنبياء معصية وكفر، فاقتضى أنه خالق ذلك وتأول المعتزلة هذا الظاهر.
فقال الزمخشري وكما خلينا بينك وبين أعدائك كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء وأعدائهم، لم يمنعهم من العداوة انتهى.
وهذا قول الكعبي قال : خلي بينه وبينه.
وقال الجبائي : الجعل هنا الحكم والبيان يقال كفره حكم بكفره وعدله أخبر عن عدالته. ولما بين للرسول كونهم أعداء لهم قال جعلهم أعداء لهم.
وقال أبو بكر الأصم لما أرسله الله إلى العالمين وخصه بالمعجزات حسدوه وصار الجسد مبيناً للعداوة القوية، فلهذا التأويل قال جعلهم له أعداء كما قال الشاعر :
فأنت صيرتهم لي حسداً
وذلك يقتضي صيرورتهم أعداء للأنبياء، وانتصب غروراً على أنه مفعول له وجوّزوا أن يكون مصدراً ليوحي لأنه بمعنى يغرّ بعضهم بعضاً أو مصدراً في موضع الحال أي غارّين.
﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ أي ما فعلوا العداوة أو الوحي أو الزخرف، أو القول أو الغرور أوجه ذكروها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٤
﴿فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ أي اتركهم وما يفترون من تكذيبك ويتضمن الوعيد والتهديد.
قال ابن عباس يريد ما زين لهم إبليس
٢٠٧
وما غرّهم به انتهى. وظاهر الأمر الموادعة وهي منسوخة بآيات القتال.
وقال قتادة كل ذر في كتاب الله فهو منسوخ بالقتال وما بمعنى الذي أو موصوفة أو مصدرية.
﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْـاِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ﴾ أي ولتميل إليه الضمير يعود على ما عاد عليه في فعلوه، وليرضوه وليكتسبوا ما هم مكتسبون من الآثام. واللام لام كي وهي معطوفة على قوله غروراً لما كان معناه للغرور، فهي متعلقة بيوحي ونصب غرور الاجتماع شروط النصب فيه، وعدى يوحى إلى هذا باللام لفوت شرط صريح المصدرية واختلاف الفاعل لأن فاعل يوحي هو بعضهم وفاعل تصغى هو أفئدة، وترتيب هذه المفاعيل في غاية الفصاحة لأنه أولاً يكون الخداع فيكون الميل فيكون الرضا فيكون الفعل فكأن كل واحد مسبب عما قبله.
وقال الزمخشري : جوابه محذوف تقديره، وليكون ذلك جعلنا لكل نبيّ عدوّاً على أن اللام لام الصيرورة، والضمير في ﴿ءَاوَى إِلَيْهِ﴾ راجع إلى ما يرجع إليه الضمير في فعلوه أي ولتميل إلى ما ذكر من عداوة الأنبياء ووسوسة الشياطين أفئدة الكفار انتهى. وتسمية ما تتعلق به اللام جواباً اصطلاح غريب، وما قاله هو قول الزجاج، قال : تقديره ﴿ءَاوَى إِلَيْهِ﴾ فعلوا ذلك فهي لام صيرورة. وذهب الأخفش إلى أن لام هي لام كي وهي جواب لقسم محذوف تقديره. والله ﴿يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى ﴾ موضع ولتصغين فصار جواب القسم من قبيل المفرد فتقول والله ليقوم زيد التقدير أقسم بالله لقيام زيد واستدل على ذلك بقول الشاعر :
إذا قلت قدني قال الله حلفةلتغني عني ذا أنائك أجمعا
وبقوله :﴿وَلِتَصْغَى ﴾ والرد عليه مذكور في كتب النحو.
وقرأ النخعي والجراح بن عبد الله من أصغى رباعياً.
وقرأ الحسن بسكون اللام في الثلاثة.
وقيل عنه في ليرضوه وليقترفوا بالكسر في ﴿يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى ﴾.
وقال أبو عمرو الداني قراءة الحسن، إنما هي ﴿وَلِتَصْغَى ﴾ بكسر الغين انتهى، وخمرج سكون اللام في الثلاثة على أنه شذوذ في لام كي وهي لام كي في الثلاثة. وهي معطوفة على غرور أو سكون لام كي في نحو هذا شاذ في السماع قوي في القياس قاله أبو الفتح.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٤


الصفحة التالية
Icon