﴿وَذَرُوا ظَـاهِرَ الاثْمِ وَبَاطِنَهُا ﴾ ﴿الاثْمِ﴾ عام في جميع المعاصي لما عتب عليهم في ترك أكل ما سمي الله عليه أمروا بترك ﴿الاثْمِ﴾ ما فعل ظاهراً وما فعل في خفية فكأنه قال : اتركوا المعاصي ظاهرها وباطنها قاله أبو العالية ومجاهد وقتادة وعطاء وابن الأنباري والزجاج. وقال ابن عباس : ظاهره الزنا. وقال السدي : الزنا الشهير الذي كانت العرب تفعله وباطنه اتخاذ الأخدان. وقال ابن جبير : ظاهره ما نص الله على تحريمه بقوله :﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ﴾ الآية ﴿وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ النِّسَآءِ﴾ الآية، والباطن الزنا. وقال ابن زيد : ظاهره نزع أثوابهم إذ كانوا يطوفون بالبيت عراة وباطنه الزنا. وقيل : ظاهره عمل الجوارح وباطنه عمل القلب من الكبر والحسد والعجب وسوء الاعتقاد وغير ذلك من معاصي القلب. وقيل : ظاهره الخمر وباطنه النبيذ، وقال مجاهد أيضاً : ظاهره الزنا وباطنه ما نواه. وقال الماتريدي : الأليق أن يحمل ظاهر ﴿الاثْمِ وَبَاطِنَهُا ﴾ على أكل الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه، وقال مقاتل :﴿الاثْمِ﴾ هنا الشرك وقال غيره جميع الذنوب سوى الشرك، وكل هذه الأقوال تخصصات لا دليل عليها والظاهر العموم في المعاصي كلها من الشرك وغيره، ظاهرها وخفيها ويدخل في هذا العموم كل ما ذكروه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٤
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الاثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾ أي يكسبون الإثم في الدنيا سيجزون في الآخرة وهذا وعيد وتهديد للعصاة.
﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّه لَفِسْقٌ﴾ قال السخاوي قال مكحول : وروي عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت مثل ذلك وأجاز ذبائح أهل الكتاب وإن لم يذكر اسم الله عليها، وذهب جماعة إلى أن الآية محكمة ولا يجوز لنا أن نأكل من ذبائحهم إلا ما ذكر عليه اسم الله، وروي ذلك عن علي وعائشة وابن عمر ؛ انتهى. ولا يسمى هذا نسخاً بل هو تخصيص ولما أمر بأكل ما سمى الله عليه وكان مفهومه أنه لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه أكد هذا المفهوم بالنص عليه، والظاهر تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه عمداً كان ترك التسمية أو نسياناً وبه قال ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وعبد الله بن يزيد الخطيمي وابن سيرين والشعبي ونافع وأبو ثور وداود في رواية. وقال أبو هريرة وابن عباس أيضاً في رواية وأبو عياض وأبو رافع وعطاء وابن المسيب والحسن وجابر وعكرمة وطاووس والنخعي وقتادة وابن زيد وعبد الرحمن بن أبي ليلى وربيعة ومالك في رواية، والشافعي والأصم : يحل أكل متروك التسمية عمداً كان الترك أو نسياناً. وقال مجاهد وطاووس أيضاً وابن شهاب وابن جبير وعطاء في رواية وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حيي والحسن بن صالح وإسحاق ومالك في رواية، وأحمد في رواية وابن أبي القاسم وعيسى وأصبغ : يؤكل إن كان الترك ناسياً وإن كان عمداً لم يؤكل واختاره النحاس وقال : لا يسمى فاسقاً إذا كان ناسياً وروي عن علي وابن عباس جواز أكل ذبيحة الناسي للتسمية، وقال ابن عطية : وهذا قول الجمهور، وقال أشهب والطبري : تؤكل ذبيحة تارك التسمية عمداً إلا أن يكون مستخفاً. وقال أبو بكر الآيذي : يكره أكل ذبيحة تارك التسمية عمداً وتحتاج هذه التخصيصات إلى دلائل. والظاهر أن المراد بقوله :﴿مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ ظاهره لعموم الآية وهو متروك التسمية. وقال ابن عباس في رواية : إنه الميتة وعنه أنه الميتة والمنخنقة إلى وما ذبح على النصب، وقال عطاء : ذبائح للأوثان كانت العرب تفعل ذلك، وقال ابن بحر : صيد المشركين لأنهم
٢١٢
لا يسمون عند إرسال السهم ولا هم من أهل التسمية. قال الحسن : لفسق لكفر، قال الكرماني : يريد مع الاستحلال وقال غيره لفسق المعصية والضمير في ﴿وَأَنَّهُا﴾ عائد إلى المصدر الدال عليه تأكلوا أي وإن الأكل قاله الزمخشري، واقتصر عليه وجوز معه الحوفي في أن يعود على ما من قوله :﴿مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ﴾ وجوز معه ابن عطية أن يعود على الذكر الذي تضمنه قوله ﴿لَمْ يُذْكَرِ﴾، انتهى. ومعنى إنه عائد على المصدر المنفي كأنه قيل : وإن ترك الذكر لفسق وهذه الجملة لا موضع لها من الإعراب وتضمنت معنى التعليل فكأنه قيل لفسقه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٤