﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدُا بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾ هذا وعيد شديد وعلق الإصابة بمن أجرم ليعم الأكابر وغيرهم، والصغار الذل والهوان يقال : منه صغر يصغر وصغر يصغر صغراً وصغاراً واسم الفاعل صاغر وصغير وأرض مصغر لم يطل نبتها، عن ابن السكيت وقابل الأكبرية بالصغار والعذاب الشديد من الأسر والقتل في الدنيا والنار في الآخرة وإصابة ذلك لهم بسبب مكرهم في قوله :﴿لِيَمْكُرُوا فِيهَا ﴾ وقوله :﴿وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنفُسِهِمْ﴾ وقدّم الصغار على العذاب لأنهم تمرّدوا عن اتباع الرسول وتكبروا طلباً للعز والكرامة فقوبلوا أوّلاً بالهوان والذل، ولما كانت الطاعة ينشأ عنها التعظيم ثم الثواب عليها نشأ عن المعصية الإهانة ثم العقاب عليها ومعنى ﴿عِندَ اللَّهِ﴾ قال الزجاج : في عرصة قضاء الآخرة. وقال الفراء : في حكم الله كما يقول عند الشافعي أي في حكمه. وقيل : في سابق علمه. وقيل : إن الجزية توضع عليهم لا محالة وأن حكم الله بذلك مثبت عنده بأنه سيكون ذلك فيهم. وقال إسماعيل الضرير : في الكلام تقديم وتأخير أي صغار ﴿وَعَذَابٌ شَدِيدُ﴾ عند الله في الآخرة، وانتصب عند ﴿سَيُصِيبُ﴾ أو بلفظ ﴿صَغَارٌ﴾ لأنه مصدر فيعمل أو على أنه صفة لصغار فيتعلق بمحذوف، وقدّره الزجاج ثابت عند الله و﴿مَآ﴾ الظاهر أنها مصدرية أي بكونهم ﴿يَمْكُرُونَ﴾. وقيل : موصولة بمعنى الذي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٤
﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَه يَشْرَحْ صَدْرَه لِلاسْلَـامِا وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّه يَجْعَلْ صَدْرَه ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى﴾ قال مقاتل : نزلت في الرسول صلى الله عليه وسلّم وفي أبي جهل، والهداية هنا مقابلة الضلالة والشرح كناية عن جعله قابلاً للإسلام متوسعاً لقبول تكاليفه، ونسبة ذلك إلى صدره مجاز عن ذات الشخص ولذلك قالوا : فلان واسع الصدر إذا كان الشخص محتملاً ما يرد عليه من المشاق والتكاليف، ونسبة إرادة الهدى والضلال إلى الله إسناد حقيقي لأنه تعالى هو الخالق ذلك والموجد له والمريد له وشرح الصدر تسهيل قبول الإيمان عليه وتحسينه وإعداده لقبوله : وضمير فاعل الهدى عائد على الله أي يشرح الله صدره. وقيل : يعود على الهدى المنسبك من ﴿أَن يَهْدِيَهُ﴾ أي يشرح الهدى صدره. قال ابن عطية : ويتركب عليه مذهب القدرية في خلق الأعمال ؛ انتهى. وفي الحديث السؤال عن كيفية هذا الشرح وأنه إذا وقع النور في القلب انشرح الصدر وأمارته الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الفوت والضيق والحرج كناية عن ضد الشرح واستعارة لعدم قبول الإيمان والحرج الشديد الضيق، والضمير في ﴿يَجْعَلْ﴾ عائد على ﴿اللَّهِ﴾ ومعنى يجعل يصير لأن الإنسان يخلق أوّلاً على الفطرة وهي كونه مهيأ لما يلقى إليه ولما يجعل فيه فإذا أراد الله إضلاله أضله وجعله لا يقبل الإيمان ويحتمل أن يكون ﴿يَجْعَلْ﴾ بمعنى يخلق وينتصب ﴿ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ على الحال أي يخلقه على هذه الهيئة فلا يسمع الإيمان ولا يقبله ولاعتزال أبي عليّ الفارسي ذهب إلى أن يجعل هنا بمعنى يسمى قال كقوله :﴿وَجَعَلُوا الْمَلَئاِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَـادُ الرَّحْمَـانِ إِنَـاثًا ﴾ قال : أي سموهم أو بمعنى يحكم له بالضيق كما تقول : هذا يجعل البصرة مصراً أي يحكم لها بحكمها فراراً من نسبة خلق ذلك إلى الله تعالى، أو تصييره وجوباً على مذهبه الاعتزالي ونحو منه في خروج اللفظ عن ظاهره. قول الزمخشري ﴿أَن يَهْدِيَهُ﴾ أن يلطف به ولا يريد أن يلطف إلا بمن له لطف بشرح صدره للإسلام يلطف به حتى يرغب في الإسلام وتسكن
٢١٧
إليه نفسه ويحب الدخول فيه،
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٤


الصفحة التالية
Icon