﴿قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَـالِدِينَ فِيهَآ إِلا مَا شَآءَ اللَّهُ﴾ أي مكان نوائكم أي إقامتكم قال الزجاج وقال أبو علي : هو عندي مصدر لا موضع وذلك لعمله في الحال التي هي خالدين والموضع ليس فيه معنى فعل فيكون عاملاً والتقدير النار ذات ثوائكم ؛ انتهى. ويصح قول الزجاج على إضمار يدل عليه ﴿مَثْوَاكُمْ﴾ أي يثوون ﴿خَـالِدِينَ فِيهَآ﴾ والظاهر أن هذا الاستثناء من الجملة التي يليها الاستثناء. وقال أبو مسلم : هو من قوله :﴿وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا الَّذِى أَجَّلْتَ لَنَا ﴾ أي إلا من أهلكته واخترمته. قيل : الأجل الذي سميته لكفره وضلاله وهذا ليس بجيد، لأنه لو كان على ما
٢٢٠
زعم لكان التركيب إلا ما شئت، ولأن القول بالأجلين أجل الاخترام والأجل الذي سماه الله باطل والفصل بين المستثنى منه والمستثنى بقوله :﴿قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَـالِدِينَ فِيهَآ﴾ وفي ذلك تنافر التركيب، والظاهر أن هذا الاستثناء مراد حقيقة وليس بمجاز. وقال الزمخشري : أو يكون من قول الموتور الذي ظفر بواتره ولم يزل يخرق عليه أنيابه وقد طلب إليه أن ينفس عنه خناقه أهلكني الله إن نفّست عنك إلا إذا شئت، وقد علم أنه لا يشاء إلا التشفي منه بأقصى ما يقدر عليه من التعنيف والتشديد فيكون قوله إلا إذا شئت من أشد الوعيد مع تهكم بالموعد لخروجه في صورة الاستثناء الذي فيه إطماع ؛ انتهى، وإذا كان استثناء حقيقةفاختلفوا في الذي استثنى ما هو ؟ فقال قوم : هو استثناء أشخاص من المخاطبين وهم من آمن في الدنيا بعذاب كان من هؤلاء الكفرة، ولما كان هؤلاء صنفاً ساغ في العبارة عنهم ما فصار كقوله :﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَآءِ﴾ حيث وقعت ما على نوع من يعقل وهذا القول بعد لأن هذا خطاب للكفار يوم القيامة فكيف يصح الاستثناء فيمن آمن منهم في الدنيا وشرط من أخرج بالاستثناء اتحاد زمانه وزمان المخرج منه. فإذا قلت : قام القوم إلا زيداً فمعناه إلا زيداً فإنه ما قام، ولا يصح أن يكون المعنى إلا زيداً فإنه ما يقوم في المستقبل وكذلك سأضرب القوم إلا زيداً معناه إلا زيداً فإني لا أضربه في المستقبل، ولا يصح أن يكون المعنى إلا زيداً فإني ضربته أمس إلا إن كان الاستثناء منقطعاً فإنه يسوغ، كقوله تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٠
﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الاولَى ﴾ أي لكن الموتة الأولى في الدنيا فإنهم ذاقوها. وقال قوم : المستثنى هم العصاة الذين يدخلون النار من أهل التوحيد أي إلا النوع الذي دخلها من العصاة فإنهم لا يخلدون في النار. وقال قوم : الاستثناء من الأزمان أي ﴿خَـالِدِينَ فِيهَآ﴾ أبداً إلا الزمان الذي شاء الله أن لا يخلدون فيه، واختلف هؤلاء في تعيين الزمان. فقال الطبري : هي المدّة التي بين حشرهم إلى دخولهم النار وساغ هذا من حيث العبارة بقوله :﴿النَّارُ مَثْوَاكُمْ﴾ لا يخص بصيغتها مستقبل الزمان دون غيره. وقال الزمخشري : إلا ما شاء الله أي يخلدون في عذاب الأبد كله إلا ما شاء الله أي الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب النار إلى عذاب الزمهرير، فقد روي أنهم يدخلون وادياً من الزمهرير ما يميز بعض أوصالهم من بعض فيعاوون ويطلبون الردّ إلى الجحيم. وقال الحسن : إلا ما شاء الله من كونهم في الدنيا بغير عذاب وهذا راجع إلى الزمان أي إلا الزمان الذي كانوا فيه في الدنيا بغير عذاب، ويرد على هذا القول ما يرد على من جعله استثناء من الأشخاص الذين آمنوا في الدنيا. وقال الفراء : إلا بمعنى سواء والمعنى سواء ما يشاء من زيادة في العذاب ويجيء إلى هذا الزجاج. وقال غيره : إلا ما شاء الله من النكال والزيادة على العذاب وهذا راجع إلى الاستثناء من المصدر يدل عليه معنى الكلام، إذ المعنى تعذبون بالنار ﴿خَـالِدِينَ فِيهَآ﴾ إلا ما شاء من العذاب الزائد على النار فإنه يعذبكم به ويكون إذ ذاك استثناء منقطعاً إذ العذاب الزائد على عذاب النار لم يندرج تحت عذاب النار، والظاهر أن هذا الاستثناء هو من تمام كلام الله للمخاطبين وعليه جاءت تفاسير الاستثناء. وقال ابن عطية : ويتجه عندي في هذا الاستثناء أن يكون مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلّم وأمته، وليس مما يقال يوم القيامة والمستثنى هو من كان من الكفرة يومئذ يؤمن في علم الله كأنه لما أخبرهم أنه يقال للكفار ﴿مَثْوَاكُمْ﴾ استثنى لهم من يمكن أن يؤمن ممن يرونه يومئذ كافراً ويقع ما على صفة من يعقل، ويؤيد هذا التأويل اتصال قوله :﴿إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ أي من يمكن أن يؤمن منهم ؛ انتهى، وهو تأويل حسن. وروي عن ابن عباس أنه قال : هذه الآية توجب الوقف في جميع الكفار. قيل : ومعنى ذلك أنها توجب الوقف فيمن لم يمت إذ قد يسلم
٢٢١
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٠