جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٠
﴿قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا ﴾ الظاهر أن هذه حكاية لتصديقهم وإلجائهم قوله :﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ﴾ لأن الهمزة الداخلة على نفي إتيان الرسل للإنكار فكان تقريراً لهم والمعنى قالوا : شهدنا على أنفسنا بإتيان الرسل إلينا وإنذارهم إيانا هذا اليوم، وهذه الجملة نابت مناب بلى هنا وقد صرح بها في قوله :﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ﴾ قالوا : بلى أقروا بأن حجة الله لازمة لهم وأنهم محجوجون بها. وقال ابن عطية : وقوله :﴿شَهِدْنَآ﴾ إقرار منهم بالكفر واعتراف أي ﴿شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا ﴾ بالتقصير ؛ انتهى. والظاهر في ﴿شَهِدْنَآ﴾ شهادة كل واحد على نفسه. وقيل : شهد بعضنا على بعض بإنذار الرسل.
﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا ﴾ هذا إخبار عنهم من الله تعالى وتنبيه على السبب الموجب لكفرهم وإفصاح لهم بأذم الوجود الذي هو الخداع. وقيل : يحتمل أن يكون من غر الطائر فرخه أي أطعمهم وأشبعهم والتوسيع في الرزق والبسط سبب للبغي ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض.
﴿وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَـافِرِينَ﴾ ظاهره شهادة كل واحد على نفسه بالكفر. وقيل : شهد بعضهم على بعض. وقيل : شهدت جوارحهم عليهم بعد إنكارهم والختم على أفواههم وهو بعيد من سياق الآية، وتنافى بين قوله :﴿وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾ وبين الآيات التي تدل على الإنكار لاحتمال أن يكون ذلك من طوائف طائفة تشهد وطائفة تنكر، أو من طائفة واحدة لاختلاف الأحوال ومواطن القيامة في ذلك المتطاول فيقرون في بعض ويجحدون في بعض. وقال التبريزي :﴿وَشَهِدُوا ﴾ أقروا على أنفسهم اضطراراً لا اختياراً ولو أرادوا أن يقولوا غيره ما طاوعتهم أنفسهم. وقال الزمخشري :(فإن قلت) : لم كرر ذكر شهادتهم على أنفسهم ؟ (قلت) : الأولى حكاية لقولهم : كيف يقولون ويعترفون، والثانية ذمّ لهم وتخطئة لرأيهم ووصف لقلة نظرهم لأنفسهم وأنهم قوم غرتهم الحياة الدنيا واللذات الحاضرة، وكان عاقبة أمرهم أن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام لربهم واستنجاز عذابه، وإنما قال ذلك تحذيراً للسامعين مثل حالهم ؛ انتهى. ونقول لم تتكرر الشهادة لاختلاف المخبر ومتعلقها فالأولى إخبارهم عن أنفسهم
٢٢٣
والثانية : إخباره تعالى عنهم أنهم شهدوا على أنفسهم بالكفر فهذه الشهادة غير الأولى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٠