﴿وَرَبُّكَ الْغَنِىُّ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ لما ذكر تعالى من أطاع ومن عصى والثواب والعقاب ذكر أنه هو الغني من جميع الجهات لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية، ومع كونه غنياً هو ذو الرحمة أي التفضل التام. قال ابن عباس :﴿ذُو الرَّحْمَةِ﴾ بأوليائه وأهل طاعته. وقيل : بكل خلقه ومن رحمته تأخير الانتقام من العصاة. وقيل :﴿ذُو الرَّحْمَةِ﴾ جاعل نفع الخلائق بعضهم ببعض. وقال الزمخشري :﴿ذُو الرَّحْمَةِ﴾ يترحم عليهم بالتكليف ليعرضهم للمنافع الدائمة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٠
﴿وَرَبُّكَ الْغَنِىُّ ذُو الرَّحْمَةِا إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنا بَعْدِكُم مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُم﴾ هذا فيه إظهار القدرة التامة والغنى المطلق والخطاب عام للخلق كلهم، كما قال :﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ أيها الناس ويأت بآخرين فالمعنى إن يشأ إفناء هذا العالم واستخلاف ما يشاء من الخلق غيرهم فعل، والإذهاب هنا الإهلاك إهلاك الاستئصال لا الإماتة ناساً بعد ناس لأن ذلك واقع فلا يعلق الواقع على أن يشأ. وقيل : الخطاب لأهل مكة. وقال عطاء : يعني الأنصار والتابعين. وقيل :﴿يُذْهِبْكُمْ﴾ أيها العصاة ﴿وَيَسْتَخْلِفْ مِنا بَعْدِكُم مَّا يَشَآءُ﴾ من النوع الطائع و﴿كَمَآ أَنشَأَكُم﴾ في موضع مصدر على غير الصدر لقوله :﴿وَيَسْتَخْلِفُ﴾ لأن معناه وينشىء والمعنى إن يشأ الإذهاب والاستخلاف يذهبكم ويستخلف فكل من الإذهاب والاستخلاف معذوق بمشيئته و﴿مِنْ﴾ لابتداء الغاية. وقال ابن عطية : للتبعيض. وقال الطبري : وتبعه مكي هي بمعنى أخذت من ثوبي ديناراً بمعنى عنه وعوضه ؛ انتهى، يعني إنها بدلية والمعنى من أولاد قوم متقدّمين أصلهم آدم عليه السلام. وقال الزمخشري : من أولاد ﴿قَوْمٍ ءَاخَرِينَ﴾ لم يكونوا على مثل صفتكم وهم أهل سفينة نوح ؛ انتهى. ويعني أنكم ﴿مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ﴾ صالحين فلو شاء أذهبكم أيها العصاة ويستخلف بعدكم طائعين، كما أنكم عصاة أنشأكم من قوم طائعين وما في قوله :﴿مَا يَشَآءُ﴾ قيل بمعنى من والأولى إن كان المقدار استخلافه من غير العاقل فهي واقعة موقعها وإن كان عاقلاً فيكون قد أريد بها النوع. وقرأ زيد بن ثابت ﴿ذُرِّيَّةِ﴾ بفتح الذال وكذا في آل عمران وأبان بن عثمان ﴿ذُرِّيَّةِ﴾ بفتح الذال وتخفيف الراء المكسورة وعند ﴿ذُرِّيَّةِ﴾ على وزن ضربة وتضمنت هذه الآية التحذير من بطش الله في التعجيل بذلك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٠
﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لاتٍ﴾ ظاهر ما العموم في كل ما يوعد به. وقال الحسن : من مجيء الساعة لأنهم كانوا يكذبون بها. وقيل : من الوعد والوعيد. وقيل : من النصر للرسول لكائن. وقيل : من العذاب يوم القيامة. وقيل : من الوعد يوم القيامة لقرينة ﴿لاتٍا وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ والإشارة إلى هذا الوعيد المتقدّم خصوصاً وإما أن يكون للعموم مطلقاً فذلك يتضمن إنفاذ الوعيد والعقائد تردد ذلك ؛ انتهى. وقال أبو عبد الله الرازي : الوعد مخصوص بالإخبار عن الثواب فهو آت لا محالة، فتخصيص الوعد بهذا الجزم يدل على أن جانب الوعيد ليس كذلك ويقوي هذا الوجه أنه قال :﴿وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ أي لا تخرجون عن قدرتنا وحكمتنا فلما ذكر الوعد جزم، ولما ذكر الوعيد ما زاد على ﴿وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ وذلك يدل على أن جانب الرحمة غالب فتلخص في قوله :﴿مَّا تُوعَدُونَ﴾ العموم ويخرج منه ما خرج بالدليل أو يراد به الخصوص من الحشر أو النصر أو الوعيد أو الوعد
٢٢٥
أي بلازمهما من الثواب أو العقاب أو مجموعهما ستة أقوال. وكتبت أن مفصولة من ما وما بمعنى الذي وفي هذه الجملة إشعار بقصر الأمل وقرب الأجل والمجازاة على العمل.
﴿وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ أي فائتين أعجزني الشيء : فاتني أي لا يفوتنا عن ما أردنا بكم. قال ابن عطية : معناه بناجين وهنا تفسير باللازم.