فكيف بالمفعول في أفصح كلام ولكن وجهها على ضعفها أنها وردت شاذة في بيت أنشده أبو الحسن الأخفش :
فزججته بمزجةزج القلوص أبي مزادة
وفي بيت الطرماح وهو قوله :
٢٢٩
يطفن بجوزي المراتع لم يرعبواديه من قرع القسيّ الكنائن
انتهى كلام ابن عطية، ولا التفات أيضاً إلى قول الزمخشري : إن الفصل بينهما يعني بين المضاف والمضاف إليه فشا لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر أكان سمجاً مردوداً فكيف به في القرآن المعجز لحسن نظمه وجزالته ؟ والذي حمله على ذلك أن رأى في بعض المصاحف شركائهم مكتوباً بالياء، ولو قرأ بجر والشركاء لأن ﴿أَوْلَـادِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ﴾ في أموالهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب ؛ انتهى ما قاله. وأعجب لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي صريح محض قراءة متواترة موجود نظيرها في لسان العرب في غير ما بيت وأعجب لسوء ظن هذا الرجل بالقراء الأئمة الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله شرقاً وغرباً، وقد اعتمد المسلمون على نقلهم لضبطهم ومعرفتهم وديانتهم ولا التفات أيضاً لقول أبي علي الفارسي : هذا قبيح قليل في الاستعمال ولو عدل عنها يعني ابن عامر كان أولى لأنهم لم يجزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام مع اتساعهم في الظرف وإنما أجازوه في الشعر ؛ انتهى. وإذا كانوا قد فصلوا بين المضاف والمضاف إليه بالجملة في قول بعض العرب هو غلام إن شاء الله أخيك فالفصل بالمفرد أسهل، وقد جاء الفصل في اسم الفاعل في الاختيار. قرأ بعض السلف : مخلف وعده رسله بنصب وعده وخفض رسله وقد استعمل أبو الطيب الفصل بين المصدر المضاف إلى الفاعل بالمفعول اتباعاً لما ورد عن العرب فقال :
بعثت إليه من لساني حديقةسقاها الحيا سقي الرياض السحائب
وقال أبو الفتح : إذا اتفق كل شيء من ذلك نظر في حال العربي وما جاء به فإن كان فصيحاً وكان ما أورده يقبله القياس فالأولى أن يحسن به الظن، لأنه يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها وعفا رسمها. وقال أبو عمرو بن العلاء : ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير ونحوه ما روى ابن سيرين عن عمر بن الخطاب أنه حفظ أقل ذلك وذهب عنهم كثيره يعني الشعر في حكاية فيها طول. وقال أبو الفتح : فإذا كان الأمر كذلك لم نقطع على الفصيح إذا سمع منه ما يخالف الجمهور بالخطا ؛ انتهى، ملخصاً مقتصراً على بعض ما قاله. وقرأ بعض أهل الشام ورويت عن ابن عامر ﴿زُيِّنَ﴾ بكسر الزاي وسكون الياء على القراءة المتقدمة من الفصل بالمفعول، ومعنى ﴿لِيُرْدُوهُمْ﴾ ليهلكوهم من الردى وهو الهلاك ﴿وَلِيَلْبِسُوا ﴾ ليخلطوا و﴿دِينَهُمُ﴾ ما كانوا عليه من دين إسماعيل حتى زلوا عنه إلى الشرك. وقيل ﴿دِينَهُمُ﴾ الذي وجب أن يكونوا عليه. وقيل : معناه وليوقعوهم في دين ملتبس. وقرأ النخعي ﴿وَلِيَلْبِسُوا ﴾ بفتح الياء. قال أبو الفتح : استعارة من اللباس عبارة عن شدة المخالطة واللام متعلقة بـ﴿زُيِّنَ﴾. وقال الزمخشري : إن كان التزيين من الشياطين فهي على حقيقة التعليل، وإن كان من السدنة فعلى معنى الصيرورة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٠
﴿وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ﴾ الظاهر عود الضمير على القتل لأنه المصرّح به والمحدّث عنه والواو في ﴿فَعَلُوهُ﴾ عائد على الكثير. وقيل : الهاء للتزيين والواو للشركاء. وقيل : الهاء للبس وهذا بعيد. وقيل : لجميع ذلك إن جعلت الضمير جار مجرى الإشارة وهذه الجملة ردّ على من زعم أنه يخلق أفعاله. وقال الزمخشري :﴿وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ﴾ مشيئة قسر ؛ انتهى، وهو على مذهبه الاعتزالي.
﴿فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ أي ما يختلفون من الإفك على الله
٢٣٠
والأحكام التي يشرعونها وهو أمر تهديد ووعيد.


الصفحة التالية
Icon