﴿وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ﴾ أي شحوم الجنسين ويتعلق من بحرمنا المتأخرة ولا يجب تقدمها على العامل، فلو كان التركيب وحرمنا عليهم من البقر والغنم شحومها لكان تركيباً غريباً، كما تقول : من زيد أخذت ماله ويجوز أخذت من زيد ماله، والإضافة تدل على تأكيد التخصيص والربط إذ لو أتى في الكلام من البقر والغنم حرمنا عليهم الشحوم لكان كافياً في الدلالة على أنه لا يراد إلا شحوم البقر والغنم، ويحتمل أن يكون ﴿ظُفُرٍا وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ﴾ معطوفاً على ﴿كُلَّ ذِى ظُفُرٍ﴾ فيتعلق من بحرمنا الأولى ثم جاءت الجملة الثانية مفسرة ما أبهم في من التبيعيضة من المحرم فقال :﴿حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ﴾. وقال أبو البقاء : لا يجوز أن يكون ﴿وَمِنَ الْبَقَرِ﴾ متعلقاً بحرمنا الثانية بل ذلك معطوف على كل ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ﴾ تبيين للمحرّم من البقر والغنم وكأنه يوهم أن عود الضمير مانع من التعلق إذ رتبة المجرور بمن التأخير، لكن عن ماذا أما عن الفعل فمسلم وأما عن المفعول فغير مسلم وإن سلمنا أن رتبته التأخير عن الفعل والمفعول ليس بممنوع، بل يجوز ذلك كما جاز ضرب غلام المرأة أبوها وغلام المرأة ضرب أبوها وإن كانت رتبة المفعول التأخير، لكنه وجب هنا تقديمه لعود الضمير الذي في الفاعل الذي رتبته التقديم عليه فكيف بالمفعول الذي هو والمجرور في رتبة واحدة أعني في كونهما فضلة فلا يبالي فيهما بتقديم أيهما شئت على الآخر. وقال الشاعر :
وقد ركدت وسط السماء نجومها
فقدّم الظرف وجوباً لعود الضمير الذي اتصل بالفاعل على المجرور بالظرف واختلف في تحريم ذلك على المسلمين من ذبائح اليهود، فعن مالك منع أكل الشحم من ذبائحهم وروي عنه الكراهة، وأباح ذلك بعض الناس من ذبائحهم ومن ذبحهم ما هو عليهم حرام إذا أمرهم بذلك مسلم. وقال ابن حبيب : ما كان معلوماً تحريمه عليهم من كتابنا فلا يحل لنا من ذبائحهم، وما لم نعلمه إلا من أقوالهم فهو غير محرم علينا من ذبائحهم ؛ انتهى. فظاهر قوله :﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ حِلٌّ لَّكُمْ﴾ إن الشحم الذي هو من ذبائحهم لا يحل لنا أنه ليس من طعامهم فلا يدخل تحت عموم ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ﴾ وحمل قوله :﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ﴾ على الذبائح فيه بعد وهو خلاف الظاهر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٤
﴿إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَآ﴾ أي إلا الشحم الذي حملته ظهورهما البقر والغنم. قال ابن عباس : هو مما علق بالظهر من الشحم وبالجنب من داخل بطونهما. وقيل : سمين الظهر وهي الشرائح التي على الظهر من الشحم فإن ذلك لم يحرم عليهم. وقال السديّ وأبو صالح : الاليات مما حملت ظهورهما.
﴿أَوِ الْحَوَايَآ﴾ هو معطوف على ﴿ظُهُورُهُمَآ﴾ قاله الكسائي، وهو الظاهر أي والشحم الذي حملته ﴿الْحَوَايَآ﴾. قال ابن عباس وابن جبير والحسن وقتادة ومجاهد والسدّي وابن زيد : هي المباعر. وقال علي بن عيسى : هو كل ما تحويه البطن فاجتمع واستدار. وقال ابن زيد أيضاً : هي بنات اللبن. وقيل : الأمعاء والمصارين التي عليها الشحم.
﴿أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ هو معطوف على ﴿مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَآ﴾ بعظم هو
٢٤٤
شحم الإلية لأنه على العصعص قاله السدّي وابن جريج، أو شحم الجنب أو كل شحم في القوائم والجنب والرأس والعينين والأذنين قاله ابن جريج أيضاً، أو مخ العظم والظاهر أن هذه الثلاثة مستثناة من الشحم فهي حلال لهم. قيل : بالمحرم أذب شحم الثرب والكلى. وقيل : أو الحوايا أو ما اختلط بعظم معطوف على قوله ﴿شُحُومَهُمَآ﴾ فتكون داخلة في المحرم أي حرمنا عليهم شحومهما ﴿أَوِ الْحَوَايَآ﴾ أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت ظهورهما وتكون أو كهي في قوله ﴿وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ يراد بها نفي ما يدخل عليه بطريق الانفراد، كما تقول : هؤلاء أهل أن يعصوا فاعص هذا أو هذا فالمعنى حرم عليهم هذا وهذا. قال الزمخشري : وأو بمنزلتها في قولهم : جالس الحسن أو ابن سيرين ؛ انتهى. وقال النحويون : أو في هذا المثال للإباحة فيجوز له أن يجالسهما معاً وأن يجالس أحدهما، والأحسن في الآية إذا قلنا إن ذلك معطوف على شحومهما أن تكون أوفية للتفصيل فصل بها ما حرم عليهم من البقر والغنم. وقال ابن عطية : وقال بعض الناس ﴿أَوِ الْحَوَايَآ﴾ معطوف على الشحوم. قال : وعلى هذا يدخل الحويا في التحريم وهذا قول لا يعضده اللفظ ولا المعنى بل يدفعانه ؛ انتهى. ولم يبين دفع اللفظ والمعنى لهذا القول.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٤


الصفحة التالية
Icon