﴿وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ﴾ ويحتمل أن يكون مضافاً إلى الفاعل أي بما عهدكم الله عليه أوفوا وأن يكون مضافاً إلى المفعول أي بما عهدتم الله عليه. وقيل : يحتمل أن يراد به العهد بين الإنسانين وتكون إضافته إلى الله تعالى من حيث أمر بحفظه والوفاء به. قال الماتريدي : أمره ونهيه في التحليل والتحريم. وقال التبريزي بعهده يوم الميثاق. وقال ابن الجوزي : يشمل ما عهده إلى الخلق وأوصاهم به وعلى ما أوجبه الإنسان على نفسه من نذر وغيره.
﴿ذَالِكُمْ وَصَّـاكُم بِهِا لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ ولما كانت الخمسة المذكورة قبل هذا من الأمور الظاهرة الجلية وجب تعلقها وتفهمها فختمت بقوله :﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وهذه الأربعة خفية غامضة لا بد فيها من الاجتهاد والذكر الكثير حتى يقف على موضع الاعتدال ختمت بقوله :﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾. وقرأ حفص والأخوان ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ حيث وقع بتخفيف الذال حذفت التاء إذ أصله تتذكرون، وفي المحذوف خلاف أهي تاء المضارعة أو تاء تفعل. وقرأ باقي السبعة ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ بتشديده أدغم تاء تفعل في الذال.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٤
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٣
وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه} قرأ الأخوان قرأ الأخوان ﴿وَأَنَّ هَـاذَا﴾ بكسر الهمزة وتشديد النون على الاستئناف، ﴿فَاتَّبَعُوهُ﴾ جملة معطوفة على الجملة المستأنفة. وقرأ الباقون بفتحها وخفف ابن عامر النون وشدّدها الباقون. وقرأ عبد الله بن أبي إسحاق
٢٥٣
﴿وَأَنْ﴾ كقراءة ابن عمر، فأما تخفيف النون فعلى أنه خذف اسم أن وهو ضمير الشأن وخرجت قراءة فتح الهمزة على وجوه : أحدها : أن يكون تعليلاً حذف منها اللام تقديره ولأن هذا ﴿صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ كقوله :﴿وَأَنَّ الْمَسَـاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ وقد صرّح باللام في قوله ﴿لايلَـافِ قُرَيْشٍ * إِالَـافِهِمْ﴾ ﴿فَلْيَعْبُدُوا ﴾. قال الفارسي : قياس قول سيبويه في فتح الهمزة أن تكون الفاء زائدة بمنزلتها في زيد فقام. الوجه الثاني : أن تكون معطوفة على ﴿عَلَيْكُم أَلا تُشْرِكُوا ﴾ أي أتل عليكم نفي الإشراك والتوحيد وأتل عليكم أن هذا صراطي وهذا على تقدير أن ﴿ءَانٍ﴾ في ﴿عَلَيْكُم أَلا تُشْرِكُوا ﴾ مصدرية قاله الحوفي هكذا قرروا هذا الوجه فجعلوه معطوفاً على البدل مما حرم وهو أن لا تشركوا. وقال أبو البقاء : أنه معطوف على المبدل منه أي أتل الذي حرم وأتل أن هذا ﴿صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ وهو تخريج سائغ في الكلام، وعلى هذا فالصراط مضاف للمتكلم وهو الرسول صلى الله عليه وسلّم وصراطه هو صراط الله. الوجه الثالث : أن يكون في موضع جر عطفاً على الضمير في به قاله الفراء، أي وصاكم به وبأن حذفت الباء لطول أن بالصلة. قال الحوفي : وهي مرادة ولا يكون في هذا عطف مظهر على مضمر لإرادتها. وقال أبو البقاء : هذا فاسد لوجهين. أحدهما : عطف المظهر على المضمر من غير إعادة الجار والثاني أنه يصير المعنى وصاكم باستقامة الصراط. وقرأ الأعمش : و﴿هَـاذَا صِرَاطِي﴾ وكذا في مصحف عبد الله ولما فصل في الآيتين قبل أجمل في هذه إجمالاً يدخل فيه جميع ما تقدم وجميع شريعته، والإشارة بهذا إلى الإسلام أو القرآن أو ما ورد في هذه السورة لأنها كلها في التوحيد وأدلة النبوّة وإثبات الدين وإلى هذه الآيات التي اعقبتها هذه الآية لأنها المحكمات التي لم تنسخ في ملة من الملل أقوال أربعة. ﴿فَاتَّبَعُوهُ﴾ أمر باتباعه كله والمعنى : فاعملوا بمقتضاه من تحريم وتحليل وأمر ونهي وإباحة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٣
﴿وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِا﴾ قال ابن عباس : هي الضلالات، قال مجاهد : البدع والأهواء والشبهات. وقال مقاتل : ما حرموا على أنفسهم من الأنعام والحرث. وقيل : سبل الكفر كاليهودية والنصرانية والمجوسية وما يجزي مجراهم في الكفر والشرك وفي مسند الدارمي عن ابن مسعود قال : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوماً خطأ ثم قال :"هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن يمينه ويساره ثم قال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها". ثم قرأ هذه الآية وعن جابر نحو منه في سنن ابن ماجة وانتصب فتفرق لأجل النهي جواباً له أي فتفرق فحذف التاء. وقرىء ﴿فَتَفَرَّقَ﴾ بتشديد التاء.


الصفحة التالية
Icon