جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٤
وقد شهّدت قيس فما كان نصرهاقتيبة إلا عضّها بالأباهم
وقال الزمخشري : ويجوز فما كان استغاثتهم إلاّ قولهم هذا لأنه لا مستغاث من الله بغيره من قولهم ﴿دَعْوَاهُمْ﴾ بالكعب قالوا ودعواهم اسم كان وإلا أن قالوا الخبر وأجازوا العكس والأول هو الذي يقتضي نصوص المتأخّرين أن لا يجوز إلا هو فيكون ﴿دَعْوَاهُمْ﴾ الإسم و﴿إِلا أَن قَالُوا ﴾ الخبر لأنه إذا لم تكن قرينة لفظية ولا معنوية تبين الفاعل من المفعول وجب تقديم الفاعل وتأخير المفعول نحو : ضرب موسى عيسى وكان وأخواتها مشبّهة في عملها بالفعل الذي يتعدّى إلى واحد، فكما وجب ذلك فيه وجب ذلك في المشبّه به وهو كان ودعواهم وإلا أن قالوا لا يظهر فيهما لفظ يبين الإسم من الخبر ولا معنى فوجب أن يكون السابق هو الإسم واللاحق الخبر
٢٦٩
﴿فَلَنَسْاَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْاَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي نسأل الأمم المرسل إليهم عن أعمالهم وعن ما بلّغه إليهم الرّسل لقوله و﴿يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾، ويسأل الرسل عما أجاب به من أرسلوا إليه كقوله، ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ﴾ وسؤال الأمم تقرير وتوبيخ يعقب الكفار والعصاة عذاباً وسؤال الرسل تأنيس يعقب الأنبياء ثواباً وكرامة. وقد جاء السؤال منفيّاً ومثبتاً بحسب المواطن أو بحسب الكيفيّات كسؤال التوبيخ والتأنيس وسؤال الاستعلام البحث منفيّ عن الله تعالى إذ أحاط بكل شيء علماً. وقيل المرسل إليهم الأنبياء والمرسلون الملائكة وهذا بعيد.
﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍا وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ﴾ أي نسرد عليهم أعمالهم قصّة قصّة ﴿بِعِلْمِ﴾ منّا لذلك واطّلاع عليه ﴿وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ﴾ عن شيء منه بل علمنا محيط بجميع أعمالهم، ظاهرها وباطنها، وهذا من أعظم التوبيخ والتقريع حيث يقرّون بالظلم وتشهد عليهم أنبياؤهم ويقصّ الله عليهم أعمالهم. قال وهب : يقال للرجل منهم أتذكر يوم فعلت كذا أتذكر حين قلت كذا حتى يأتي على آخر ما فعله وقاله في دنياه وفي قوله ﴿بِعِلْمِ﴾ دليل على إثبات هذه الصفة لله تعالى وإبطال لقول من قال لا علم الله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٤
﴿وَالْوَزْنُ يومئذ الْحَقُّا فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُه فَأُوالَئاِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُه فَأُوالَئاِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِاَايَاتِنَا يَظْلِمُونَ﴾ اختلفوا هل ثم وزن وميزان حقيقة أم ذلك عبارة عن إظهار العدل التام والقضاء السويّ والحساب المحرّر فذهبت المعتزلة إلى إنكار الميزان وتقدّمهم إلى هذا مجاهد والضحّاك والأعمش وغيرهم، وعبّر بالثقل عن كثرة الحسنات وبالخفة عن قلّتها، وقال جمهور الأمّة بالأول وأنّ الميزان له عمود وكفّتان ولسان وهو الذي دل عليه ظاهر القرآن والسنّة ينظر إليه الخلائق تأكيداً للحجة وإظهاراً للنصفة وقطعاً للمعذرة كما يسألهم عن أعمالهم فيعترفون بها بألسنتهم وتشهد عليهم بها أيديهم وأرجلهم وتشهد عليهم الأنبياء والملائكة والأشهاد، وأما الثقل والخفة فمن صفات الأجسام وقد ورد أنّ الموزون هي الصّحائف التي أثبتت فيها الأعمال، فيُحدث الله تعالى فيها ثقلاً وخفةً وما ورد في هيئته وطوله وأحواله لم يصحَّ إسناده وجمعت الموازين باعتبار الموزونات والميزان واحد، هذا قول الجمهور. وقال الحسن لكل أحد يوم القيامة ميزان على حدة وقد يعبّر عن الحسنات بالموازين فيكون ذلك على حذف مضاف أي من ثقلت كفّه موازينه أي موزوناته فيكون موازين جميع موزون لا جمع ميزان، وكذلك ومن خفّت كفّة حسناته و﴿الْوَزْنَ﴾ مبتدأ وخبره ظرف الزمان والتقدير والوزن كائن
٢٧٠
يوم أن نسألهم ونقّص عليهم وهو يوم القيامة و﴿الْحَقِّ﴾ صفة للوزون ويجوز أن يكون ﴿يَوْمَاِذٍ﴾ ظرفاً للوزن معمولاً له و﴿الْحَقِّ﴾ خبر ويتعلّق ﴿بِاَايَاتِنَآ﴾ بقوله ﴿يَظْلِمُونَ﴾ لتضمّنه معنى يكذّبون أو لأنها بمعنى يجحدون وجحد تعدّى بالباء قال :﴿وَجَحَدُوا بِهَا﴾ والظاهر أنّ هذا التقسيم هو بالنسبة للمؤمنين من أطاع ومن عصى وللكفّار فتوزن أعمال الكفار. وقال قوم : لا ينصب لهم ميزان ولا يحاسبون لقوله ﴿وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُورًا﴾ وإنما توزن أعمال المؤمن طائعهم وعاصيهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٤