وفاعل قد يأتي بمعنى أفعل نحو باعدت الشيء وأبعدته، وقال ابن عطية وقاسمهما أي حلف لهما وهي مفاعلة إذ قبول المحلوف له وإقباله على معنى اليمين كالقسم وتقريره وإن كان بادي الرأي يعني أنها من واحد، وقال الزمخشري : كأنه قال لهما أقسم لكما أني لمن الناصحين وقالا له أتقسم بالله إنك لمن الناصحين، فجعل ذلك مقاسمة بينهم أو أقسم لهما بالنصيحة وأقسما له بقبولها أو أخرج قسم إبليس على وزن المفاعلة لأنه اجتهد فيها اجتهاد المقاسم انتهى، وقرىء وقاسمهما بالله و﴿لَّكُمَآ﴾ متعلّق بمحذوف تقديره ناصح لكما أو أعني أو بالناصحين على أنّ أل موصولة وتسومح في الظرف والمجرور ما لا يتسامح في غيرهما أو على أنّ أل لتعريف الجنس لا موصولة أوجه مقولة. ﴿فَدَلَّـاهُمَا بِغُرُورٍ﴾ أي استنزلهما إلى الأكل من الشجرة بغروره أي بخداعه إياهما وإظهار النّصح وإبطان الغش وإطماعهما أن يكونا ملكين أو خالدين وبإقسامه أنه ناصح لهما جعل من يغترّ بالكلام حتى يصدق فيقع في مصيبة بالذي يدلي من علو إلى أسفل بحبل ضعيف فينقطع به فيهلك، وقال الأزهري : لهذه الكلمة أصلان أحدهما أنّ الرجل يدلي دلوه في البئر ليأخذ المائ فلا يجد فيها ماء، وضعت التدلية موضع الطمع فيما لا فائدة فيه فيقال : دلاّه أي أطمعه الثاني جرأهما على أكل الشجرة والأصل فيه دللهما من الدّال والدّلالة وهما الجراءة انتهى، فأبدل من المضاعف الأخير حرف علة، كما قالوا : تظنيت وأصله تظننت
٢٧٩
ومن كلام بعض العلماء : خدع الشيطان آدم فانخدع ونحن من خدعنا بالله عزّ وجل انخدعنا له وروى نحوه عن قتادة وعن ابن عمر. ﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا﴾ أي وجدا طعمها آكلين منها كما قال تعالى فأكلا منها وتطايرت عنهما ملابس الجنة فظهرت لهما عوراتهما وتقدّم أنهما كانا قبل ذلك لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر، وقال ابن عباس وقتادة وابن جبير : كان عليهما ظفر كاس فلما أكلا تبلس عنهما فبدت سوءاتهما وبقي منه على الأصابع قدر ما يتذكران به المخالفة فيجددان النّدم، وقال وهب بن منبه : كان عليهما نور يسترة عورة كلّ واحد منهما فانقشع بالأكل ذلك النور وقيل كان عليهما نور فنقص وتجسّد منه شيء في أظفار اليدين والرجلين تذكرة لهما ليستغفروا في كلّ وقت وأبناؤهما بعدهما كما جرى لأويس القرني حين أذهب الله عنه البرص إلا لمعة أبقاها ليتذكر نعمه فيشكر. وقال قوم : لم يقصد بالسوأة العورة والمعنى انكشف لهما معايشهما وما يسؤهما وهذا القول ينبو عنه دلالة اللفظ ويخالف قول الجمهور، وقيل : أكلت حواء أوّل فلم يصبها شيء ثم آدم فكان البدو.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٤
﴿سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ أي جعلا يلصقان ورقة على ورقة ويلصقانهما بعدما كانت كساهما حلل الجنة ظلا يستتران بالورق كما قيل :
لله درّهم من فتية بكروامثل الملوك وراحوا كالمساكين
والأولى أن يعود الضمير في ﴿عَلَيْهِمَا﴾ على عورتيهما كأنه قيل ﴿يَخْصِفَانِ﴾ على سوآتهما من ورق الجنة، وعاد بضمير الاثنين لأن الجمع يراد به اثنان ولا يجوز أن يعود الضمير على آدم وحواء لأنه تقرر في علم العربية أنه لا يتعدى فعل الظاهر والمضمر المتصل إلى المضمر المتصل المنصوب لفظاً أو محلاًّ في غير باب ظنّ وفقد وعلم ووجد لا يجوز زيد ضربه ولا ضربه زيد ولا زيد مر به زيد فلو جعلنا الضمير في ﴿عَلَيْهِمَا﴾ عائداً على آدم وحواء للزم من ذلك تعدّى يخصف إلى الضمير المنصوب محلاً وقد رفع الضمير المتصل وهو الألف في يخصفان فإن أخذ ذلك على حذف مضاف مراد جاز ذلك وتقديره يخصفان على بدنيهما، قال ابن عباس : الورق الذي خصفا منه ورق الزيتون، وقيل : ورق شجر التين، وقيل : ورق الموز ولم يثبت تعيينها لا في القرآن ولا في حديث صحيح، وقرأ أبو السّمال ﴿وَطَفِقَا﴾ بفتح الفاء، وقرأ الزهري ﴿يَخْصِفَانِ﴾ من أخصف فيحتمل أن يكون أفعل بمعنى فعل ويحتمل أن تكون الهمزة للتعدية من خصف أي يخصفان أنفسهما، وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد وابن وثاب ﴿يَخْصِفَانِ﴾ بفتح الياء وكسر الخاء والصاد وشدّها، وقرأ الحسن فيما روى عنه محبوب كذلك إلا أنه فتح الخاء، ورويت عن ابن بريدة وعن يعقوب، وقرىء ﴿يَخْصِفَانِ﴾ بالتشديد من خصف على وزن فعل، وقرأ عبد الله بن يزيد يخصفان بضمّ الياء والخاء وتشديد الصاد وكسرها وتقرير هذه القراآت في علم العربية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٤


الصفحة التالية
Icon