جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٤
﴿تُخْرَجُونَ * يَـابَنِى ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِى سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَالِكَ خَيْرٌا ذَالِكَ مِنْ ءَايَـاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر قصة آدم وفيها ستر السوءات وجعل له في الأرض مستقرّاً ومتاعاً ذكر ما امتنّ به على بنيه وما أنعم به عليهم من اللّباس الذي يواري السوءآت والرّياش الذي يمكن به استقرارهم في الأرض واستمتاعهم بما خولهم، وقال مجاهد : نزلت هذه الآية والثلاث بعدها فيمن كان من العرب يتعرى في طوافه بالبيت وذكر النقاش أنها كانت عادة ثقيف وخزاعة وبني عامر بن صعصعة وبني مدلج والحرث وعامر ابني عبد مناة نسائهم ورجالهم وأنزلنا قيل على حقيقته من الانحطاط من علو إلى سفل فأنزل مع آدم وحواء شيئاً من اللباس مثالاً لغيره ثم توسع بنوهما في الصّنعة استنباطاً من ذلك المثال أو أنزل من السماء أصل كل شيء عند إهباطهما أو أنزل معه الحديد فاتخذ منه آلات الصنائع أو أنزل الملك فعلم آدم النسج أربعة أقوال، وقيل : الإنزال مجاز من إطلاق السّبب على مسببه فأنزل المطر وهو سبب ما يتهيأ منه اللباس أو بمعنى خلق كقوله ﴿وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الانْعَـامِ ثَمَـانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ أو بمعنى الهم، وقال الزمخشري جعل ما في الأرض منزلاً من السماء لأنه قضى ثم وكتب ومنه وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج، وقال ابن عطية : أنزلنا يحتمل أن يريد بالتدريج أي لما أنزل المطر فكان عنه جميع ما يلبس قال عن اللباس ﴿أَنزَلْنَآ﴾ وهذا نحو قول الشاعر يصف مطراً :
أقبل في المشين من سحابةأسنمة الآبال في ربابه
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٤
أي بالمال ويحتمل أن يريد خلقنا فجاءت العبارة بأنزلنا كقوله ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ وقوله ﴿وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الانْعَـامِ﴾ وأيضاً فخلق الله وأفعاله إنما هي من علو في القدر والمنزلة انتهى واللباس يعم جميع ما يلبس ويستر والرّيش عبارة عن سعة الرزق ورفاهية العيش ووجود اللبس والتمتع وأكثر أهل اللغة على أنّ الريش ما يستر من لباس أو معيشة، وقال قوم : الإناث، وقال ابن عباس والسدّي ومجاهد : المال، وقال ابن زيد : الجمال، وقال الزمخشري : لباس الزينة استعير من ريش الطائر لأنه لباسه وزينته أي أنزلنا عليكم لباسين لباساً يواري سوءاتكم ولباساً يزيّنكم لأنّ الزينة غرض صحيح كما قال تعالى :﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَـالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الانفُسِا إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا﴾ انتهى. وعطف على ﴿الَّيْلَ لِبَاسًا﴾ يقتضي المغايرة وأنه قسيم للباس لا قسم منه، وقرأ عثمان وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسلمي وعلي بن الحسين وابنه زيد وأبو رجاء وزر بن حبيش وعاصم في رواية وأبو عمرو في رواية ورياشا، فقيل : هما مصدران بمعنى واحد راشه الله يريشه ريشاً ورياشاً أنعم عليه، وقال الزمخشري : جمع ريش كشعب وشعاب، وقال الزّجاج : هما اللباس، وقال الفرّاء : هما ما يستر من ثياب ومال كما يقال لبس ولباس، وقال معبد الجهني : الرياش المعاش، وقال ابن الأعرابي : الريش الأكل والشرب والرياش المال المستفاد، وقيل : الريش ما بطن والرياش ما ظهر، وقرأ الصاحبان والكسائي :﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ﴾ بالنصب عطفاً
٢٨٢
على المنصوب قبله، وقرأ باقي السّبعة بالرفع، فقيل هو على إضمار مبتدأ محذوف أي وهو لباس التقوى قاله الزّجاج ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ على هذا مبتدأ وخبر وأجاز أبو البقاء أن يكون ﴿وَلِبَاسُ﴾ مبتدأ وخبره محذوف تقديره ولباس التّقوى ساتر عوراتكم، وهذا ليس بشيء والظاهر أنه مبتدأ ثانٍ ﴿وَخَيْرٌ﴾ والجملة خبر عن ﴿وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ﴾
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٤


الصفحة التالية
Icon