وقيل : الأجل هنا أجل الدّنيا التقدير : كلّها أجل أي يقدّمون فيه على ما قدموا من عمل، وقيل : الأجل مدّة العمر والتقدير ولكل واحد من الأمة عمر ينتهي إليه بقاؤه في الدّنيا وإذا مات علم ما كان عليه من حقّ أو باطل، وقال ابن عطية : أي فرقة وجماعة وهي لفظة تستعمل في الكثير من الناس، وقال غيره : والأمة الجماعة قلّوا أو كثروا وقد يطلق على الواحد كقوله في قس بن ساعدة يبعث يوم القيامة أمّة وحده وأفرد الأجل لأنه اسم جنس أو لتقارب أعمال أهل كل عصر أو لكون التقدير لكل واحد من أمة، وقرأ الحسن وابن سيرين فإذا جاء آجالهم بالجمع وقال ساعة لأنها أقلّ الأوقات في استعمال الناس يقول المستعجل لصاحبه في ساعة يريد في أقصر وقت وأقربه قاله الزمخشري، وقال ابن عطية لفظ عنى به الجزء القليل من الزمان والمراد جمع أجزائه انتهى، والمضارع المنفي بلا إذا وقع في الظاهر جواباً لإذا يجوز أن يتلقى بفاء الجزاء ويجوز أن لا يتلقى بها وينبغي أن يعتقد أنّ بين الفاء والفعل مبتدأ محذوفاً وتكون الجملة إذ ذاك إسميّة والجملة الإسمية إذا وقعت جواباً لإذا فلا بد فيها من الفاء أو إذا الفجائية، قال بعضهم : ودخلت الفاء على إذا حيث وقع إلا في يونس لأنها عطفت جملة على جملة بينهما اتصال وتعقيب فكان الموضع موضع الفاء وما في يونس يأتي في موضعه إن شاء الله انتهى، وقال الحوفي ﴿وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ معطوف على ﴿لا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ انتهى، وهذا لا يمكن لأنّ إذا شرطيّة فالذي يترتب عليها إنما هو مستقبل ولا يترتب على مجيء الأجل في المستقبل إلا مستقبل وذلك يتصور في انتفاء الاستئخار لا في انتفاء الاستقدام لأنّ الاستقدام سابق على مجيء الأجل في الاستقبال فيصير نظير قولك إذا قمت في المستقبل لم يتقدّم قيامك في الماضي ومعلوم أنه إذا قام في المستقبل لم يتقدّم قيامه هذا في الماضي وهذا شبيه بقول زهير :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥
بدا لي أني لست مدرك ما مضىولا سابقاً شيئاً إذا كان جائيا
ومعلوم أن لشيء اذا كان جاثيا إليه لا يسبقه والذي تخرج عليه الآية أن قوله ﴿وَلا﴾ منقطع من الجواب على سبيل استئناف إخبار أي لا يستقدمون الأجل أي لا يسبقونه وصار معنى الأية
أنهم لا يسبقون الأجل ولا يتأخرون عنه.
﴿يَسْتَقْدِمُونَ * يَـابَنِى ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَـاتِى فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَآ أُوالَـا ـاِكَ أَصْحَـابُ النَّارِا هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ﴾. هذا الخطاب لبني آدم. قيل : هو في الأول، وقيل : هو مراعى به وقت الإنزال وجاء بصورة الاستقبال لتقوى الإشارة بصحّة النبوة إلى محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿وَمَآ﴾ في إمّا تأكيد، قال ابن عطية وإذا لم يكن ما لم يجز دخول النون الثقيلة انتهى، وبعض النحويين يجيز ذلك وجواب الشرط ﴿فَمَنِ اتَّقَى ﴾ فيحتمل أن تكون من شرطيّة وجوابه ﴿فَلا خَوْفٌ﴾ وتكون هذه الجملة الشرطية مستقلة بجواب الشرط الأوّل من جهة اللفظ ويحتمل أن تكون من موصولة فتكون هذه الجملة والتي بعدها من قوله ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا ﴾ مجموعهما هو جواب الشرط وكأنه قصد بالكلام التقسيم وجعل القسمان جواباً للشّرط أي ﴿إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ﴾ فالمتّقون لا خوف عليهم والمكذبون أصحاب النار فثمرة إتيان الرّسل وفائدته هذا وتضمن قوله ﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ﴾ سبق الإيمان إذ التقوى والإصلاح هما ناشئان عنه وجاء في قسمه ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا ﴾ والتكذيب هو بدوّ الشقاوة إذ لا ينشأ عنه إلا الانهماك والإفساد وقال بل الإصلاح بالاستكبار لأنّ إصلاح العمل من نتيجة التقوى والاستكبار من نتيجة التكذيب وهو التعاظم فلم يكونوا ليتّبعوا الرسل فيما جاؤوا به ولا يقتدوا بما أمروا به لأنّ من كذب بالشيء نأي بنفسه عن اتباعه، وقال ابن عطية : هاتان حالتان تعمّ جميع من
٢٩٣
يصدّ عن رسالة الرسول إما أن يكذب بحسب اعتقاده أنه كذب وإما أن يستكبر فيكذب وإن كان غير مصمّم في اعتقاده على التكذيب وهذا نحو الكفر عناد انتهى، وتضمّنت الجملتان حذف رابط وتقديره ﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ﴾ منكم، ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا ﴾ منكم وتقدّم تفسير ﴿فَلا خَوْفٌ﴾ و﴿أُوالَئاِكَ أَصْحَـابُ النَّارِ﴾ الجملتان، وقرأ أبي والأعرج إما تأتينكم بالتاء على تأنيث الجماعة محمول على المعنى إذ ذاك إذ لو حمل على اللفظ لكان تقصّ.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥


الصفحة التالية
Icon