﴿قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لا تَعْلَمُونَ﴾ أي لكلّ من الأخرى والأولى عذاب وللأولى عذاب متضاعف زائد إلى غير نهاية وذلك أنّ العذاب مؤبّد فكل ألم يعقبه آخر، وقرأ الجمهور بالتاء على الخطاب للسائلين أي ﴿لا تَعْلَمُونَ﴾ ما لكلّ فريق من العذاب أو لا تعلمون ما لكلّ فريق من العذاب أو لا تعلمون المقادير وصور العذاب قيل أو خطاب لأهل الدّنيا أي ولكن يا أهل الدّنيا لا تعلمون مقدار ذلك، وقرأ أبو بكر والمفضّل عن عاصم بالياء فيحتمل أن يكون إخباراً عن الأمة ويكون الضمير في ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ عائداً على الأمة الأخيرة التي طلبت أن يضعف العذاب على أولاها ويحتمل أن يكون خبراً عن الطائفتين أي لا يعلم كل فريق قدر ما أعدّ له من العذاب أو قدر ما أعدّ للفريق الآخر من العذاب وروي عن ابن مسعود أن الضّعف هنا الأفاعي والحيّات وهذه الجملة ردّ على أولئك السّائلين وعدم إسعاف لما طلبوا.
﴿وَقَالَتْ أُولَـاهُمْ لاخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾. أي قالت الطائفة المتبوعة للطائفة المتبعة واللام في ﴿لاخْرَاهُمْ﴾ لام التبليغ نحو قلت لك اصنع كذا لأن الخطاب هو مع أخراهم بخلاف اللام أي في ﴿لاولَـاهُمْ﴾ فإنها كما ذكرنا لام السبب لأنّ الخطاب هناك مع الله تعالى والمعنى أنتم لا فضل لكم علينا ولم تزدجروا حين جاءتكم الرّسل والنذر بل دمتم في كفركم وتركتم النّظر فاستوت حالنا وحالكم قال الزمخشري : أي قد ثبت أن لا فضل لكم علينا وأنا متساوون في استحقاق الضّعف، وقال مجاهد : معنى ﴿مِن فَضْلِ﴾ من التخفيف لما قال الله ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾ قالت الأولى للأخرى لم تبلغوا أملاً بأنّ عذابكم أخفّ من عذابنا ولا فضلتم بالإسعاف انتهى، والفاء في ﴿فَمَآ﴾ قال الزمخشري : عطفوا هذا الكلام على قول الله تعالى للسّلفة ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾ والذي يظهر أنّ المعنى انتفاء كون فضل عليهم من السّفلة في الدّنيا بسبب اتباعهم إياهم وموافقتهم لهم في الكفر أي اتباعكم
٢٩٦
إيانا وعدم اتباعكم سواء لأنكم كنتم في الدّنيا أقل عندنا من أن يكون لكم علينا فضل باتباعكم بل كفرتم اختياراً لا إنّا حملناكم على ذلك إجباراً وأنّ قوله
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿فَمَآ﴾ معطوف على جملة محذوفة بعد القول دلّ عليها ما سبق من الكلام والتقدير ﴿وَقَالَتْ أُولَـاهُمْ لاخْرَاهُمْ﴾ ما دعاؤكم الله بأنّا أضللناكم وسؤالكم ما سألتم فما كان لكم علينا من فضل بضلالكم وأن قوله ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ من كلام الأولى خطاباً للأخرى على سبيل التشفي منهم وأنّ ذوق العذاب هو بما كسبت من الآثام لا بسبب دعواكم أنا أضللناكم، وقيل :﴿فَذُوقُوا ﴾ من خطاب الله لجميعهم. ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَآءِ﴾ قال ابن عباس ﴿لا تُفَتَّحُ﴾ لأعمالهم ولا لدعائهم ولا لما يريدون به طاعة الله تعالى أي لا يصعد لهم صالح فتفتح أبواب السماء له وهذا منتزع من قوله ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّـالِحُ يَرْفَعُهُا﴾ ه ومن قوله إن كتاب الأبرار لفي عليين، وقال السدي وغيره :﴿لا تُفَتَّحُ﴾ لأرواحهم وذكروا في صعود الرّوحين إلى السماء الإذن لروح المؤمن وردّ روح الكافر أحاديث وذلك عند موتهما، وقيل : المعنى ﴿لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَآءِ﴾ في القيامة ليدخلوا منها إلى الجنة أي لا يؤذن لهم في الصعود إلى السماء، وقيل : لا تنزل عليهم البركة ولا يغاثون، وقرأ أبو عمرو ﴿لا تُفَتَّحُ﴾ بتاء التأنيث والتخفيف، وقرأ الأخوان بالياء والتخفيف، وقرأ باقي السّبعة بالتاء من أعلى والتشديد. وقرأ أبو حيوة وأبو البرهسم بالثاء من أعلى مفتوحة والتشديد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥