وقال قوم : إنه الصراط، وقيل : موضع على الصراط، وقال قوم : هو جبل في وسط الجنة أو أعلاها واختلف هؤلاء في تفسير رجال، وقال أبو مجلز : ملائكة في صور رجال ذكور وسمّوا رجالاً لقوله :﴿وَلَوْ جَعَلْنَـاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَـاهُ رَجُلا﴾ وقال مجاهد والحسن هم فضلاء المؤمنين وعلماؤهم، وقيل : هم الشهداء وقاله الكرماني : واختاره النحّاس، وقال هو أحسن ما قيل فيه، وقيل : حمزة والعبّاس وعلي وجعفر الطيّار، وروي هذا عن ابن عباس، وقيل : هم الأنبياء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَـارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَـابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ﴾. الظاهر أن الضمير في ونادوا إلى آخر الآية عائد على الرّجال الذين على الأعراف وعلى هذا لا يمكن أن تكون تلك الضمائر للأنبياء ولا لشيء مما فسر به أنهم على جبل في وسط الجنة أو أعلى الجنة وفي غاية البعد ما تؤول من ذلك ليصح شيء من تلك الأقوال أنهم أجلسوا على تلك الأماكن المرتفعة ليشاهدوا أحوال الفريقين فيلحقهم السرّور بتلك الأحوال ثم إذا استقر الفريقان نقلوا إلى أمكنتم التي أعدّت لهم في الجنة فمعنى ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا﴾ لم يدخلوا منازلهم المعدّة لهم فيها ومعنى ﴿وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ يتيقّنون ما أعدّ الله لهم من الزلفى وقد جاء الطمع بمعنى اليقين قال ﴿وَالَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيائَتِى يَوْمَ الدِّينِ﴾ وطمع ابراهيم عليه السلام يقين. وقال الشاعر :
وإني لأطمع أنّ الإلهقدير بحسن يقيني يقيني
وأما قول من قال : إنّ الأعراف جبل بين الجنة والنار فقد طعن فيه القاضي والجبائي وقالا : هو فاسد لأنّ قوله ﴿بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يدلّ على أنّ كل من دخل الجنة لا بد أن يكون مستحقاً لدخولها وذلك يمنع من القول بوجود أقوام لا يستحقّون الجنة ولا النار ثم يدخلون الجنة بمحض الفضل لا بسبب الاستحقاق ولأن كونهم من أهل الأعراف يدّل على ميزهم من جميع أهل القيامة فإنّ إجلاسهم على الأماكن المرتفعة العالية على أهل الجنة والنار تشريف عظيم لا يليق إلا بالأشراف ومن تساوت حسناته وسيئاته درجته قاصرة لا يليق بهم ذلك التشريف، وأجيب بأنه يحتمل أن يكون ونودوا خطاب مع أقوام معينين فلا يلزم أن تكون أهل الجنة والنار و﴿أَن سَلَـامٌ﴾ يحتمل أن
٣٠٢
﴿ءَانٍ﴾ تكون تفسرية ومخففة من الثقيلة ولم يدخلوها حال من المفعول أي ناداهم وهم في هذه الحال يعني أهل الجنة وهم يطمعون جملة خبريّة لا موضع لها من الإعراب أي نادوا أهل الجنة غير داخليها ثم أخبر أنهم طامعون في دخولها قال معناه أبو البقاء، وقيل : المعنى ونادى أصحاب الأعراب أصحاب الجنة بالسلام وهم قد دخلوا الجنة وأهل الأعراف لم يدخلوها فيكون قوله ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا﴾ حالاً من ضمير ونادوا العائد على أهل الأعراف فقط وهذا تأويل ابن مسعود وقتادة والسدّي وغيرهم، وقال ابن مسعود : والله ما جعل الله ذلك الطمع في قلوبهم إلا لخير أراده بهم وهذا هو الأظهر والأليق بمساق الآية، وقال ابن مسعود أيضاً : إنما طمع أصحاب الأعراف لأنّ النور الذي كان في أيديهم لم يطفأ حين طفىء نور ما بأيدي المنافقين، وقيل :﴿وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ حال من ضمير الفاعل في ﴿يَدْخُلُوهَآ﴾ والمعنى لم يدخلوها في حال طمع لها بل كانوا في حال يأس وخوف لكن عمّهم عفو الله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥
وقال الزمخشري : فإن قلت : ما محل قوله ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ قلت : لا محلّ له لأنه استئناف كأنّ سائلاً سأل عن أصحاب الأعراف فقيل له ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ يعني أنّ دخولهم الجنة استأخر عن دخول أهل الجنة فلم يدخلوها لكونهم محبوسين وهم يطمعون لم ييأسوا ويجوز أن يكون له محل بأن يقع صفة انتهى، وهذا توجيه ضعيف للفصل بين الموصوف وصفته بجملة ونادوا وليست جملة اعتراض وقرأ ابن النحوي وهم طامعون، وقرأ إياد بن لقيط وهم ساخطون، وقرأ الأعمش وإذا قلبت ﴿أَبْصَـارَهُمْ﴾ والضمير في أبصارهم عائد على رجال الأعراف يسلّمون على أهل الجنّة وإذا نظروا إلى أهل النّار دعوا الله في التخلّص منها قاله ابن عباس وجماعة، وقال أبو مجلز : الضمير لأهل الجنة وهم لم يدخلوها بعد وفي قوله ﴿صُرِفَتْ﴾ دليل أنّ أكثر أحوالهم النظر إلى تلقاء أصحاب الجنة وأن نظرهم إلى أصحاب النار هو بكونهم صرفت أبصارهم تلقاءهم فليس الصّرف من قبلهم بل هم محمولون عليه مفعول بهم ذلك لأنّ ذلك المطلع مخوف من سماعه فضلاً عن رؤيته فضلاً عن التلبيس به والمعنى أنهم إذا حملوا على صرف أبصارهم ورأوا ما هم عليه من العذاب استغاثوا بربّهم من أن يجعلهم معهم ولفظه ﴿رَبَّنَآ﴾ مشعرة بوصفه تعالى بأنه مصلحهم وسيدهم وهم عبيد فبالدعاء به طلب رحمته واستعطاف كرمه.


الصفحة التالية
Icon