على هذا جنساً أي ﴿بِكِتَـابٍ﴾ إلهي إذ الضمير عام في الكفار، وقال يحيى بن سلام الضمير لمكذبي محمد صلى الله عليه وسلّم وهو ابتداء كلام وتمّ الكلام عند قوله ﴿يَجْحَدُونَ﴾ والكتاب هو القرآن و﴿فَصَّلْنَـاهُ﴾ عالمين كيفية تفصيله من أحكام ومواعظ وقصص وسائر معانيه، وقيل :﴿فَصَّلْنَـاهُ﴾ بإيضاح الحق من الباطل، وقيل : نزلناه في فصول مختلفة. وقرأ ابن محيصن والجحدري فضلناه بالضاد المنقوطة والمعنى فضلناه على جميع الكتب عالمين بأنه أهل للتفضيل عليها وفي التحرير أنه فضل على سائر الكتب المنزلة بثلاثين خصلة لم تكن في غيره و﴿فَصَّلْنَـاهُ﴾ صفة لكتاب وعلى علم الظاهر أنه حال من فاعل ﴿فَصَّلْنَـاهُ﴾ وقيل التقدير مشتملاً على علم فيكون حالاً من المفعول وانتصب ﴿هُدًى وَرَحْمَةً﴾ على الحال، وقيل مفعول من أجله، وقرىء بالرفع أي هو ﴿هُدًى وَرَحْمَةً﴾، وقرأ زيد بن عليّ هدى ورحمة بالخفض على البدل من كتاب أو النعت وعلى النعت لكتاب خرّجه الكسائي والفرّاء رحمهما الله.
﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُا﴾ أي مآل أمره وعاقبته قاله قتادة ومجاهد وغيرهما، قال ابن عباس مآله يوم القيامة. وقال السدّي في الدنيا كوقعة بدر ويوم القيامة أيضاً، وقال الزمخشري ما يؤول إليه من تبيين صدقه وظهور صحته ما نطق به من الوعد الوعيد والتأويل مادته همزة وواو ولام من آل يؤول، وقال الخطابي : أوّلت الشيء رددته إلى أوّله فاللفظة مأخوذة من الأول انتهى وهو خطأ لاختلاف المادتين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُه يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُوا لَنَآ﴾ أي يظهر عاقبة ما أخبر به من الوعد والوعيد وذلك يوم القيامة يسأل تاركوا أتباع الرسول هل لنا من شفعاء سؤالاً عن وجه الخلاص في وقت أن لا خلاص وفي الكلام حذف أي لقد جاءت رسل ربّنا بالحق ولم نصدقهم أو ولم نتبعهم ﴿فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ﴾ والرّسل هنا الأنبياء أخبروا يوم القيامة أنّ الذي جاءتهم به رسلهم هو الحق. وقيل : ملائكة العذاب عند المعاينة ما أنذروا به، وقرأ الجمهور ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾ برفع الدّال فنعمل بنصب اللام عطف جملة فعلية على جملة اسمية وتقدّمهما استفهام فانتصب الجوابان أي هل شفعاء لنا فيشفعوا لنا في الخلاص من العذاب أو هل نرد إلى الدّنيا فنعمل عملاً صالحاً، وقرأ الحسن : فيما نقل الزمخشري بنصب الدال ورفع اللام، وقرأ الحسن فيما نقل ابن عطية وغيره برفعهما عطف ﴿فَنَعْمَلَ﴾ على ﴿نُرَدُّ﴾، وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو حيوة بنصبهما فنصب ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾ عطفاً على ﴿فَيَشْفَعُوا لَنَآ﴾ جواباً على جواب فيكون الشفعاء في أحد أمرين إما في الخلاص من العذاب وإما من الرّد إلى الدنيا لاستئناف العمل الصالح وتكون الشفاعة قد انسحبت على الردّ أو الخلاص و﴿فَنَعْمَلَ﴾ عطف على فنرد ويحتمل أن يكون ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾ من باب لألزمنك أو تقضيني حقي على تقدير من قدّر ذلك حتى تقضيني حقي أو كي تقضيني حقي فجعل اللزوم مغياً بقضاء حقه أو معلولاً له لقضاء حقه وتكون الشفاعة إذ ذاك في الرد فقط وأما على تقدير سيبويه ألا إني لألزمنك إلا أن تقضيني فليس يظهر أنّ معنى ﴿أَوْ﴾ معنى إلا هنا إذ يصير المعنى هل تشفع لنا شفعاء إلا أن نرد وهذا استثناء غير ظاهر وقولهم هذا هل هو مع الرّجاء أو مع اليأس فيه الخلاف الذي في ندائهم ﴿أَنْ أَفِيضُوا ﴾، قال القاضي وهي تدل على حكمين على أنهم كانوا قادرين على الإيمان والتوبة ولذلك سألوا الردّ الثاني إن أهل الآخرة غير مكلفين خلافاً للمجبرة والنجار لأنها لو كانت كذلك ما سألوا الردّ بل كانوا يتوبون ويؤمنون.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ أي خسروا في تجارة أنفسهم حيث ابتاعوا الخسيس الفاني من الدّنيا بالنفيس الباقي من الآخرة وبطل عنهم افتراؤهم على الله ما لم يقله ولا أمرهم به وكذّبهم في اتخاذ آلهة
٣٠٦
من دون الله.


الصفحة التالية
Icon