وهبّت له ريح الجنوب وأحييتله ريدة يحيي المياه نسيمها
والرّيدة والمريد أنه الرّيح. وقال الآخر :
٣١٦
إني لأرجو أن تموت الرّيحفأقعد اليوم وأستريح
ومعنى ﴿بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِا﴾ أما نعمته وهو المطر الذي هو من أجلّ النعم وأحسنها أثراً والتعيين عن إمام الرحمة بقوله ﴿بَيْنَ يَدَىِ﴾ من مجاز الاستعارة إذ الحقيقة هو ما بين يدي الإنسان من الإحرام وقال الكرماني : قال هنا ﴿يُرْسِلُ﴾ لأنّ قبل ذلك ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ فهماً في المستقبل فناسبه المستقبل وفي الفرقان وفاطر ﴿أُرْسِلَ﴾ لأن قبله ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ وبعده ﴿وَهُوَ الَّذِى ﴾ وكذا في الروم ﴿الْكَـافِرِينَ * وَمِنْ ءَايَـاتِهِا أَن يُرْسِلَ﴾ ليوافق ما قبله من المستقبل وفي فاطر قبله ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ جَاعِلِ الْمَلَئاِكَةِ رُسُلا أُوْلِى أَجْنِحَةٍ﴾ وذلك ماضٍ فناسبه الماضي انتهى ملخصاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿حَتَّى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَـاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ﴾. هذه غاية لإرسال الرّياح والمعنى أنه تعالى يرسل الرّياح مبشرات أو مبشرات إلى سوق السّحاب وقت إقلاله إلى بلد ميت والسحاب اسم جنس بينه وبين مفرده تاء التأنيث فيذكر كقوله ﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ﴾ كقوله ﴿يُزْجِى سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾ ويؤنث ويوصف ويخبر عنه بالجمع كقوله ﴿وَيُنشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ﴾ وكقوله ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَـاتٍ﴾ وثقله بالماء الذي فيه ونسب السّوق إليه تعالى بنون العظمة التفافاً لما فيه من عظيم المنة وذكر الضمير في ﴿سُقْنَـاهُ﴾ رعياً للفظ كما قلنا إنه يذكر. وقال السدّي يرسل تعالى الرياح فتأتي السحاب من بين الخافقين طرف السماء والأرض حيث يلتقيان فيخرجه من ثم ثم ينتشر ويبسطه في السماء وتفتح أبواب السماء ويسيل الماء على السحاب ثم يمطر السحاب بعد ذلك قال وهذا التفصيل لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم انتهى. ومذهب أهل الحق أن الله تعالى هو الذي يسخّر الرّياح ويصرفها حيث أراد بمشيئته وتقديره لا مشارك له في ذلك وللفلاسفة كيفية في حصول الرياح ذكرها أبو عبد الله الرازي وأبطلها من وجوه أربعة يوقف عليها في كلامه وللمنجمين أيضاً كلام في ذلك أبطله، وقال في آخره فثبت بهذا البرهان أنّ محرّك الرّياح هو الله تعالى وثبت بالدليل العقلي صحّة قوله ﴿وَهُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيَـاحَ﴾.
وعن ابن عمران الرّياح ثمان أربع منها عذاب هي : القاصف والعاصف والصّرصر والعقيم وأربع منها رحمة : الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات واللام في ﴿لِبَلَدٍ﴾ عندي لام التبليغ كقولك قلت لك، وقال الزمخشري : لأجل بلد فجعل اللام لام العلة ولا يظهر فرق بين قولك سقت لك مالاً وسقت لأجلك مالاً فإنّ الأوّل معناه أوصلته لك وأبلغتكه والثاني لا يلزم منه وصوله إليه بل قد يكون الذي وصل له الماء غير الذي علّل به السوق ألا ترى إلى صحة قول القائل لأجل زيد سقت لك مالك. ووصف البلد بالموت استعارة حسنة لجدبه وعدم نباته كأنه من حيث عد الانتفاع به كالجسد الذي لا روح فيه ولما كان ذلك موضع قرب رحمة الله وإظهار إحسانه ذكر أخص الأرض وهو البلد حيث مجتمع الناس ومكان استقرارهم ولما كان في سورة يس المقصد إظهار الآيات العظيمة الدالة على البعث جاء التركيب باللفظ العام وهو قوله ﴿وَءَايَةٌ لَّهُمُ الارْضُ الْمَيْتَةُ﴾ وبعده ﴿وَءَايَةٌ لَّهُمُ الَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾ وسكن باء الميت عاصم وأبو عمرو والأعمش.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَآءَ﴾ الظاهر أنّ الباء ظرفية والضمير عائد على بلد ميت أي فأنزلنا فيه الماء وهو أقرب مذكور
٣١٧
ويحسن عوده إليه فلا يجعل لأبعد مذكور، وقيل الباء سببيّة والضمير عائد على السحاب. وقيل عائد على المصدر المفهوم من سقناه فالتقدير بالسّحاب أو بالسّوق والثالث ضعيف لأنه عائد على غير مذكور مع وجود المذكور وصلاحيته للعود عليه. وقيل : عائد على السحاب والباء بمعنى من أي فأنزلنا منه الماء كقوله ﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ أي منها وهذا ليس بجيد لأنه تضمين من الحروف.
﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ الخلاف في ﴿بِهِ﴾ كالخلاف السابق في به. وقيل : الأول عائد على السحاب والثاني على البلد عدل عن كناية إلى كناية من غير فاصل كقوله :﴿الشَّيْطَـانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ وفاعل أملى لهم الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon