بن سعد بن عفير ولم يكن في أشراف قوم نوح مؤمن ألا ترى إلى قولهم ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ وقولهم ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الارْذَلُونَ﴾ ويحتمل أن يكون وصفاً جاء للذم لم يقصد به الفرق ولنراك يحتمل أن يكون من رؤية العين ومن رؤية القلب كما تقدم القول في قصة نوح و﴿فِي سَفَاهَةٍ﴾ أي في خفة حلم وسخافة عقل حيث تترك دين قومك إلى دين غيره وفي سفاهة يقتضي أنه فيها قد احتوت عليه كالظرف المحتوي على الشيء ولما كان كلام نوح لقومه أشد منكلام هود تقوية لقوله ﴿إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ كان جوابهم أغلظ وهو ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَـالٍ مُّبِينٍ﴾ وكان كلام هود ألطف لقوله ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ فكان جوابهم له ألطف من جواب قوم نوح لنوح بقولهم ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾ ثم أتبعوا ذلك بقولهم ﴿وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَـاذِبِينَ﴾ فدل ذلك على أنه أخبرهم بما يحل بهم من العذاب إن لم يتقوا الله أو علّقوا الظن بقوله ﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُا﴾ أي إنّ لنا آلهة فحصرها في واحد كذب. وقيل : الظن هنا بمعنى اليقين أو بمعنى ترجيح أحد الجائزين قولان للمفسرين والثاني للحسن والزّجاج، وقال الكرماني : خوّف نوح الكفار بالطوفان العام واشتغل بعمل السفينة فقالوا ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَـالٍ مُّبِينٍ﴾ حيث تتعب نفسك في إصلاح سفينة كبيرة في مفازة ليس فيها ماء ولم يظهر ما يدل على ذلك وهو رديف عبادة الأوثان ونسب قومه في السفاهة فقابلوه بمثل ذلك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿قَالَ يَـاقَوْمِ لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ وَلَـاكِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَـالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَـالَـاتِ رَبِّى وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ تقدّمت كيفية هذا النفي في قوله ﴿لَيْسَ بِى ضَلَـالَةٌ﴾ وهناك جاء ﴿وَأَنصَحُ لَكُمْ﴾ وهنا جاء ﴿وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ لما كان آخر جوابهم جملة اسمية جاء قوله كذلك فقالوا هم ﴿وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَـاذِبِينَ﴾ قال هو ﴿وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ وجاء بوصف الأمانة وهي الوصف العظيم الذي حمله الإنسان ولا أمانة أعظم من أمانة الرسالة وإيصال أعبائها إلى المكلفين والمعنى أني عُرفت فيكم بالنصح فلا يحق لكم أن تتهموني وبالأمانة فيما أقول فلا ينبغي أن أكذب، قال ابن عطية : وقوله ﴿أَمِينٌ﴾ يحتمل أن يريد على الوحي والذكر النازل من قبل الله ويحتمل أنه أمين عليهم وعلى غيبهم وعلى إرادة الخير بهم والعرب تقول فلان لفلان ناصح الجيب أمين الغيب ويحتمل أن يريد به من الأمن أي جهتي ذات أمن لكم من الكذب والغش، قال القشيري : شتّان ما بين من دفع عنه ربه بقوله ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ و﴿وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ﴾ ومن دفع عن نفسه بقوله :﴿لَيْسَ بِى ضَلَـالَةٌ﴾ ﴿لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ﴾، قال الزمخشري : وفي إجابة الأنبياء عليهم السلام من نسبهم إلى الضلالة والسفاهة بما أجابوهم من الكلام الصادر عن الحلم والإغضاء وترك المقابلة بما قالوا لهم مع علمهم بأنّ خصومهم أصل السفاهين وأسفلهم أدب حسن وخلق عظيم وحكاية الله عز وجل عنهم ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم.
﴿أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ﴾ أتى هنا بعلة واحدة وهي الإنذار وهو التخويف بالعذاب واختصر ما يترتب على الإنذار من التقوى ورجاء الرحمة.
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِنا بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ أي سكان الأرض بعدهم قاله السدّي وابن إسحاق، أو جعلكم ملوكاً في الأرض استخلفكم فيها قاله الزمخشري، وتذكير هود بذلك يدلّ على قرب زمانهم من زمان نوح لقوله ﴿مِنا بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ و﴿إِذْ﴾ ظرف في قول الحوفي فيكون مفعول ﴿اذْكُرُوا ﴾ محذوفاً أي واذكروا آلاء الله عليكم وقت كذا والعامل في ﴿إِذْ﴾ ما تضمنه النعم من الفعل وفي قول الزمخشري ﴿إِذْ﴾ مفعول به وهو منصوب باذكروا أي اذكروا وقت جعلكم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿وَزَادَكُمْ فِى الْخَلْقِ بَاصْطَةً﴾ ظاهر التواريخ أنّ البسطة الامتداد والطول والجمال في الصور
٣٢٤