﴿فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ اللَّهِ﴾ لما أضاف الناقة إلى الله أضاف محل رعيها إلى الله إذ الأرض وما أنبت فيها ملكه تعالى لا ملككم ولا إنباتكم وفي هذا الكلام إشارة إلى أن هذه الناقة نعمة من الله ينال خيرها من غير مشقّة تكلف علف ولا طعمة وهو شأن الإبل كما جاء في الحديث قال فضالة الإبل، قال مالك : ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربّها و﴿تَأْكُلُ﴾ جزم على جواب الأمر، وقرأ أبو جعفر في رواية ﴿تَأْكُلُ﴾ بالرفع وموضعه حال كانت الناقة مع ولدها ترعى الشجر وتشرب الماء ترد غباً فإذا كان يومها وضعت رأسها في البئر فما ترفعه حتى تشرب كل ما فيها ثم تفجج فيحلبون ما شاؤوا حتى تمتلىء أوانيهم فيشربون ويدّخرون.
﴿وَلا تَمَسُّوهَا بِسُواءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ نهاهم عن مسّها بشيء من الأذى وهذا تنبيه بالأدنى على الأعلى إذا كان قد نهاهم عن مسّها بسوء إكراماً لآية الله فنهيه عن نحرها وعقرها ومنعها عن الماء والكلأ أولى وأحرى والمسّ والأخذ هنا استعارة وهذا وعيد شديد لمن مسّها بسوء والعذاب الأليم هو ما حلّ بهم إذ عقروها وما أعد لهم في الآخرة.
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِنا بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِى الارْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا ءَالاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِى الارْضِ مُفْسِدِينَ﴾ ذكر صالح قومه بما ذكر به هود قومه فذكر أولاً نعماً خاصة وهي جعلهم خلفاء بعد الأمة التي سبقتهم وذكر هود لقومه ما اختصوا به من زيادة البسطة في الخلق وذكر صالح لقومه ما اختصوا به من اتخاذ القصور من السهول ونحت الجبال بيوتاً ثم ذكرا نعماً عامة بقولهما ﴿فَاذْكُرُوا ءَالاءَ اللَّهِ﴾ ومعنى ﴿وَبَوَّأَكُمْ فِى الارْضِ﴾ أنزلكم بها وأسكنكم إياها والمباءة المنزل في الأرض وهو من باء أي رجع وتقدم ذكره و﴿الارْضِ﴾ فلا موضع ما بين الحجاز والشام و﴿تَتَّخِذُونَ﴾ حال أو تفسير لقوله ﴿وَبَوَّأَكُمْ فِى الارْضِ﴾ فلا موضع له من الإعراب والظاهر أن بعض السهول اتخذوه قصوراً أي بنوا فيه قصوراً وأنشؤوها فيه ولم يستوعبوا جميع سهولها بالقصور وقال الزمخشري :﴿مِن سُهُولِهَا قُصُورًا﴾ أي يبنونها من سهولة الأرض بما يعملون منها الرهض واللبن والآجر يعني أن القصور التي بنوها أجزاؤها متخذة من لين الأرض كالجيار والآجر والجصّ كقوله ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنا بَعْدِهِا مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا﴾ يعني أنّ الصورة كانت مادّتها من الحلي كما أن القصور مادتها من سهول الأرض والأجزاء التي صنعت منها وظاهر الاتخاذ هنا العمل فيتعدّى ﴿تَتَّخِذُونَ﴾ إلى مفعول واحد، وقيل : يتعدى إلى اثنين والمجرور هو الثاني، وقرأ الحسن ﴿وَتَنْحِتُونَ﴾ بفتح الحاء، وزاد الزمخشري : أنه قرأ وتنحاتون بإشباع الفتحة قال كقوله :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
ينباع من دفري أسيل حرّه
انتهى. وقرأ ابن مصرف بالياء من أسفل وكسر الحاء وقرأ أبو مالك بالباء من أسفل وفتح الحاء ومن نقرأ بالياء فهو التفات وانتصب ﴿بُيُوتًا﴾ على أنها حال مقدّرة إذ لم تكن الجبال وقت النحت بيوتاً كقولك إبرِ لي هذه اليراعة قلماً وخَّط لي هذا قباء، وقيل : مفعول ثانٍ على تضمين ﴿وَتَنْحِتُونَ﴾ معنى و﴿تَتَّخِذُونَ﴾، وقيل : مفعول بتنحتون و﴿الْجِبَالُ﴾ نصب على إسقاط من أي من الجبال، وقرأ الأعمش ﴿تَعْثَوْا ﴾ بكسر التاء لقولهم أنت تعلم وهي لغة و﴿مُفْسِدِينَ﴾ حال مؤكدة، قال ابن عباس : القصور لمصيفهم والبيوت في الجبال لمشتاهم، وقيل : نحتوا الجبال لطول أعمارهم كانت القصور تخرب قبل موتهم، قال وهب : كان الرجل يبني البنيان فتمرّ عليه مائة سنة فيخرب ثم يجدده فتمر عليه مائة سنة فيخرب ثم يجدده فتمر عليه مائة سنة فيخرب فأضجرهم ذلك فاتخذوا الجبال بيوتاً. ﴿قَالَ الْمَلا الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَـالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِا﴾ قرأ ابن عامر ﴿وَقَالَ الْمَلا﴾ بواو عطف والجمهور قال بغير واو و﴿الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ﴾ وصف للملأ إما للتخصيص الأنّ من أشرافهم من آمن مثل جندع بن عمرو وإما للذم و﴿اسْتَكْبَرُوا ﴾ وطلبوا الهيبة لأنفسهم وهو من الكبر فيكون استفعل للطلب وهو بابها أو تكون استفعل بمعنى فعل أي كبروا لكثرة المال والجاه فيكون مثل عجب واستعجب والذين ﴿اسْتُضْعِفُوا ﴾ أي استضعفهم رؤساء الكفار واستذلوهم وهم العامة وهم أتباع الرّسل و﴿لِمَنْ﴾ بدل من الذين استضعفوا والضمير في ﴿مِنْهُمْ﴾ إن عاد على المستضعفين كان بدل بعض من كلّ ويكون الذين استضعفوا قسمين مؤمنين وكافرين وإن عاد على ﴿قَوْمِهِ﴾ كان بدل كل من كلّ وكان الاستضعاف مقصوراً على
٣٢٩