قال عمر بن دينار : ما رئي ذكر على ذكر قبل قوم لوط روي أنهم كان يأتي بعضهم بعضاً، وقال الحسن : كانوا يتون الغرباء كانت بلادهم الأردن تؤتى من كل جانب لخصبها فقال لهم إبليس هو في صورة غلام إن أردتم دفع الغرباء فافعلوا بهم هكذا فمكنهم من نفسه تعليماً ثم فشا واستحلوا ما استحلوا وأبعد من ذهب إلى أنّ المراد من عالمي زمانهم ومن ذهب إلى أن المعنى ﴿مَا سَبَقَكُم﴾ إلى لزومها ويشهدها وفي تسمية هذا الفعل بالفاحشة دليل على أنه يجري مجرى الزنا يرجم من أحصن ويجلد من لم يحصن وفعله عبد الله بن الزبير أتى بسبعة منهم فرجم ربعة أحصنوا وجلد ثلاثة وعنده ابن عمر وابن عباس ولم ينكروا وبه قال الشافعي، وقال مالك : يرجم أحصن أو لم يحصن وكذا المفعول به إن كان محتلماً وعنده يرجم المحصن ويؤدّب ويحبس غير المحصن وهو مذهب عطية وابن المسيب والنخعي وغيرهم وعن مالك أيضاً يعزر أو لم يحصن وهو مذهب أبي حنيفة وحرق خالد بن الوليد رجلاً يقال له الفجاء عمل ذلك العمل وذلك برأي أبي بكر وعليّ وأنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم أجمع رأيهم عليه وفيهم عليّ بن أبي طالب، وروي أنّ ابن الزبير أحرقهم في زمانه وخالد القشيري بالعراق وهشام.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿مَا سَبَقَكُم﴾ جملة حالية من الفاعل أو من ﴿الْفَـاحِشَةُ﴾ لأنّ في ﴿سَبَقَكُم بِهَا﴾ ضميرهم وضميرها، وقال الزمخشري : هي جملة مستأنفة أنكر عليهم أولاً بقوله ﴿أَتَأْتُونَ الْفَـاحِشَةَ﴾ ثم وبّخهم عليها فقال : أنتم أول من عملها أو على أنه جواب لسؤال مقدر كأنهم قالوا لم لا نأتيها فقال :﴿مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ﴾ فلا تفعلوا ما لم تسبقوا به، وقال الزمخشري : والباء للتعدية من قولك سبقته بالكرة إذا ضربتها قبله ومنه قوله عليه السلام "سبقك بها عكاشة" انتهى، ومعنى التعدية هنا قلق جداً لأنّ الباء المعدية في الفعل المتعدي إلى واحد هي بجعل المفعول الأول
٣٣٣
يفعل ذلك الفعل بما دخلت عليه الباء فهي كالهمزة وبيان ذلك أنك إذا قلت صككت الحجر بالحجر فمعناه أصككت الحجر الحجر أي جعلت الحجر يصك الحجر وكذلك دفعت زيداً بعمرو عن خالد معناه أدفعت زيداً عمراً عن خالد أي جعلت زيداً يدفع عمراً عن خالد فللمفعول الأوّل تأثير في الثاني ولا يتأتّى هذا المعنى هنا إذ لا يصحّ أن يقدّر أسبقت زيداً الكرة أي جعلت زيداً يسبق الكرة إلا بمجاز متكلّف وهو أن تجعل ضربك للكرة أول جعل ضربة قد سبقها أي تقدّمها في الزمان فلم يجتمعا.
﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَآءِا بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ هذا بيان لقوله ﴿أَتَأْتُونَ الْفَـاحِشَةَ﴾ وأتى هنا من قوله أتى المرأة غشيها وهو استفهام على جهة التوبيخ والإنكار، وقرأ نافع وحفص ﴿إِنَّكُمْ﴾ على الخبر المستأنف و﴿شَهْوَةً﴾ مصدر في موضع الحال قاله الحوفي وابن عطية، وجوّزه الزمخشري وأبو البقاء أي مشتهين تابعين للشهوة غير ملتفتين لقبحها أو مفعول من أجله قاله الزمخشري، وبدأ به البقاء أي للاشتهاء لا حامل لكم على ذلك إلا مجرد الشهوة ولا ذم أعظم منه لأنه وصف لهم باليهيمة وأنهم لا داعي لهم من جهة العقل كطلب النسل ونحوه و﴿مِّن دُونِ النِّسَآءِ﴾ في موضع الحال أي منفردين عن النساء، وقال الحوفي :﴿مِّن دُونِ النِّسَآءِ﴾ متعلّق بشهوة و﴿بَلِ﴾ هنا للخروج من قصة إلى قصة تنبىء بأنهم متجاوزو الحد في الاعتداء، وقيل إضراب عن تقريرهم وتوبيخهم والإنكار أو عن الإخبار عنهم بهذه المعصية الشنيعة إلى الحكم عليهم بالحال التي تنشأ عنها القبائح وتدعوا إلى اتّباع الشهوات وهي الإسراف وهو الزيادة المفسدة لما كانت عادتهم الإسراف أسرفوا حتى في باب قضاء الشهوة وتجاوزوا المعتاد إلى غيره ونحوه ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾، وقيل إضراب عن محذوف تقديره ما عدلتم بل أنتم، وقال الكرماني بل ردّ لجواب زعموا أن يكون لهم عذر أي لا عذر لكم ولا حجّة ﴿بَلْ أَنتُم﴾ وجاء هنا ﴿مُّسْرِفُونَ﴾ باسم الفاعل ليدلّ على الثبوت ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأسماء وجاء في النمل ﴿تَجْهَلُونَ﴾ بالمضارع لتجدد الجهل فيهم ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأفعال.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٤