﴿بَـارَكْنَا﴾ جعلنا الخير فيها دائماً ثابتاً وهذا يشير إلى أنها مصر. وقال الليث هي مصر بارك الله فيها بما يحدث عن نيلها من الخيرات وكثرة الحبوب والثمرات وعن عمر رضي الله عنه أن نيل مصر سيّد الأنهار في حديث طويل وروي أنه كانت الجنات بحافتي هذا النيل من أوله إلى آخره في البرين جميعاً ما بين أسوان إلى رشيد وكانت الأشجار متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء، وقال أبو بصرة الغفاري : مصر خزائن الأرض كلها، ألا ترى إلى قول يوسف عليه السلام ﴿اجْعَلْنِى عَلَى خَزَآاِنِ الارْضِ﴾ ويروي أن عيسى عليه السلام أقام بها اثنتي عشرة سنة وذلك أن الله أوحى إلى مريم أن الحقي بمصر وأرضها وذكر أنها الرّبوة التي قال تعالى :﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُا ءَايَةً وَءَاوَيْنَـاهُمَآ﴾. وقال ابن عمر : البركات عشر ففي مصر تسع وفي الأرض كلها واحدة، وانتصاب مشارق على أنه مفعول ثان لأورثنا و﴿الَّتِى بَـارَكْنَا﴾ نعت لمشارق الأرض ومغاربها وقول الفرّاء إنّ انتصاب ﴿مَشَـارِقَ﴾ والمعطوف عليها على الظرفية والعامل فيهما هو ﴿يُسْتَضْعَفُونَ﴾ و﴿الَّتِى بَـارَكْنَا﴾ هو المفعول الثاني أي الأرض التي باركنا فيها تكلف وخروج عن الظاهر بغير دليل ومن أجاز أن تكون ﴿الَّـاتِى ﴾ نعتاً للأرض فقوله ضعيف للفصل بالعطف بين المنعوت ونعته.
﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِى إسرائيل بِمَا صَبَرُوا ﴾. أي مضت واستمرت من قولهم تمّ على الأمر إذا مضى عليه، قال مجاهد : المعنى ما سبق لهم في علمه وكلامه في الأزل من النجاة من عدوهم والظهور عليه، وقال المهدوي وتبعه الزمخشري : الكلمة قوله تعالى ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الارْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَاِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الارْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَـامَـانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾. وقيل :﴿جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ﴾ الآية، وقيل : الكلمة النعمة والحسنى تأنيث الأحسن وهي صفة للكلمة وكانت الحسنى لأنها وعد بمحبوب قاله الكرماني والمعنى على من بقي من مؤمني بني إسرائيل ﴿بِمَا صَبَرُوا ﴾ أي بصبرهم، وقرأ الحسن كلمات على الجمع ورويت عن عاصم وأبي عمرو، قال الزمخشري : ونظيره ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَـاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ انتهى، يعني
٣٧٦
نظير وصف الجمع بالمفرد المؤنث ولا يتعيّن ما قاله من أن الكبرى نعت لآيات ربه إذ يحتمل أن يكون مفعولاً لقوله رأى أيّ الآية الكبرى فيكون في الأصل نعتاً لمفرد مؤنث لا يجمع وهو أبلغ في الوصف.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٢