﴿وَكُن مِّنَ الشَّـاكِرِينَ﴾ على ما آتيناك وفي ذلك إشارة إلى القنع والرضا بما أعطاه الله والشكر عليه. ﴿وَكَتَبْنَا﴾ قيل : إنّ موسى عليه السلام صعق يوم الجمعة يوم عرفة وأفاق فيه وأعطى التوراة يوم النحر وظاهر قوله ﴿وَكَتَبْنَا﴾ نسبة الكتابة إليه. فقيل كتب بيده وأهل السماء يسمعون صرير القلم في اللوح، وقيل : أظهرها وخلقها في الألواح، وقيل : أمر القلم أن يخطَّ لموسى في الألواح، وقيل : كتبها جبريل عليه السلام بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد من نهر النّور ففي هذين القولين أسند ذلك إلى نفسه تشريف إذ ذاك صادر عن أمره، وقيل : معنى ﴿كَتَبْنَا﴾ فرضنا كقوله تعالى ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ والضمير في ﴿لَهُا﴾ عائد على موسى جمع قلة وأل فيها لتعريف الماهيّة فإن كان هو الذي قطعها وشققها فتكون أل فيها للعهد، وقال ابن عطية : عوض من الضمير الذي يقدر وصلة بين الألواح وموسى عليه السلام تقديره في ألواحه وهذا كقوله تعالى ﴿الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى ﴾ أي مأواه انتهى وكون أل عوضاً من الضمير ليس مذهب البصريين ولا يتعين أن يكون عوضاً من الضمير وليس ذلك كقوله فإن الجنة هي المأوى لأنّ الجملة خبر عن من فاحتاجت الجملة إلى رابط، فقال الكوفيون : أل عوض من الضمير كأنه قيل مأواه، وقال البصريون : الرابط محذوف أي هي المأوى له وظاهر الألواح الجمع، فقيل كانت سبعة وروى ذلك عن ابن عباس، وقيل ثمانية ذكره الكرماني، وقيل : تسعة قاله مقاتل : وقيل : عشرة قاله وهب بن منبه، وقيل اثنان وروي عن ابن عباس أيضاً واختاره الفرّاء، وهذا ضعيف لأنّ الدلالة بالجمع على اثنين قياساً له شرط مذكور في النحو هو مفقود هنا، وقال الربيع بن أنس : نزلت التوراة وهي وقر سبعين بعيراً يقرأ الجزء منها في سنة ولم يقرأها سوى أربعة نفر موسى ويوشع وعزير وعيسى، وقد اختلفوا من أي شيء هي فعن ابن عباس وأبي العالية زبرجد، وعن ابن جبير من ياقوت أحمر، وعن ابن عباس أيضاً ومجاهد من زمرد أخضر، وعن أبي العالية أيضاً من برد، وعن مقاتل من زمرد وياقوت، وعن الحسن من خشب طولها عشرة أذرع، وعن وهب من صخرة صماء أمر بقطعها ولانت له فقطعها بيده وشققها بأصابعه، وقيل : من نور حكاه الكرماني، والمعنى من كل شيء محتاج إليه في شريعتهم
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٣
﴿مَّوْعِظَةٌ﴾ للازدجار والاعتبار ﴿وَتَفْصِيلا لِّكُلِّ شَىْءٍ﴾ من التكاليف الحلال والحرام والأمر والنهي والقصص والعقائد والإخبار والمغيبات، وقال ابن جبير ومجاهد : لكل شيء مما أمروا به ونهوا عنه، وقال السدّي الحلال والحرام، وقال مقاتل كان مكتوباً في الألواح إني أنا الله الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيئاً ولا تقطعوا السبل ولا تحلفوا باسمي كاذبين فإن من حلف باسمي كاذباً فلا أزكيه ولا تقتلوا ولا تزنوا ولا تعقوا الوالدين والظاهر أن مفعول ﴿كَتَبْنَا﴾ أي كتبنا فيها ﴿مَّوْعِظَةٌ﴾ ﴿مِن كُلِّ شَىْءٍ ﴾ ﴿وَتَفْصِيلا لِّكُلِّ شَىْءٍ﴾ قاله الحوفي قال نصب ﴿مَّوْعِظَةٌ﴾ بكتبنا ﴿وَتَفْصِيلا﴾ عطف على ﴿مَّوْعِظَةٌ﴾ ﴿لِّكُلِّ شَىْءٍ﴾ متعلق بتفصيلاً انتهى، وقال الزمخشري :﴿مِن كُلِّ شَىْءٍ ﴾ في محل النصب مفعول ﴿وَكَتَبْنَا﴾ ﴿وَمَوْعِظَةً﴾، ﴿وَتَفْصِيلا﴾ بدل منه والمعنى كتبنا له كل شيء كان بنو إسرائيل يحتاجون إليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام انتهى، ويحتمل عندي وجه ثالث وهو أن يكون مفعول
٣٨٧
﴿كَتَبْنَا﴾ موضع المجرور كما تقول أكلت ﴿مِنْ﴾ الرّغيف، ومن للتبعيض أي كتبنا له أشياء من كل شيء وانتصب ﴿مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلا﴾ على المفعول من أجله أي كتبنا له تلك الأشياء للاتعاظ والتفصيل لأحكامهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٣


الصفحة التالية
Icon