فيجيء على هذا فوق الأعناق متمكّناً انتهى. فإن كان قول عكرمة تفسير معنى فحسن ويكون مفعول فاضربوا محذوفاً وإن كان أراد أنّ فوق هو المضروب فليس بجيّد لأن فوق من الظروف التي لا يتصرف فيها لا تكون مبتدأة ولا مفعولاً بها ولا مضافاً إليها إنما يتصرف فيها بحرف جر كقوله من فوقهم ظلل هذا هو الصحيح في فوق وقد أجاز بعضهم أن يكون فوق في الآية مفعولاً به وأجاز فيها التصرّف قال : تقول فوقك رأسك بالرفع وفوقك قلنسوتك بالنصب ويظهر هذا القول من الزمخشري قال : فوق الأعناق أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح لأنها مفاصل فكان إيقاع الضرب فيها جزّاً وتطييراً للرأس انتهى، والبنان تقدم الكلام فيها في المفردات، وقالت فرقة منهم الضحاك البنان هي المفاصل حيث كانت من الأعضاء، وقالت فرقة البنان الأصابع من اليدين والرّجلين. وقيل الأصابع وغيرها من الأعضاء والمختار أنها الأصابع. وقال عنترة العبسي :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٤
وكان فتى الهيجاء يحمي ذمارهاويضرب عند الكرب كلّ بنان
وقال أيضاً :
وأن الموت طرح يدي إذا ماوصلت بنانها بالهندواني
وضرب الكفار مشروع في كلّ موضع منهم وإنما قصد أبلغ المواضع وأثبت ما يكون المقاتل لأنه إذا عمد إلى الرأس أو الأطراف كانت ثابت الجأش متبصراً فيما يضع فيه آلة قتاله من سيف ورمح وغيرهما مما يقع به اللقاء إذ ضرب الرأس فيه أشغل شاغل عن القتال وكثيراً ما يؤدّي إلى الموت وضرب البنان فيه تعطيل القتال من المضروب بخلاف سائر الأعضاء. قال الفراء : علمهم مواضع الضرب فقال : اضربوا الرؤوس والأيدي والأرجل فكأنه قال فاضربوا الأعالي إن تمكّنتم من الضرب فيها فإن لم تقدروا فاضربوهم في أوساطهم فإن لم تقدروا فاضربوهم في أسافلهم فإنّ الضرب في الأعالي يسرع بهم إلى الموت والضرب في الأوساط يسرع بهم إلى عدم الامتناع والضرب في الأسافل يمنعم من الكرّ والفرّ فيحصل من ذلك إما إهلاكهم بالكلية وإما الاستيلاء عليهم انتهى، وفي قول الفرّاء هذا تحميل ألفاظ القرآن ما لا يحتمله، وقال الزمخشري والمعنى فاضربوا المقاتل والشوى لأنّ الضرب إما واقع على مقتل أو غير مقتل فأمرهم بأن يجمعوا عليهم النوعين معاً انتهى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٤
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُا﴾ الإشارة إلى ما حلّ بهم من إلقاء الرعب في قلوبهم وما أصابهم من الضرب والقتل، والكاف لخطاب الرسول أو لخطاب كل سامع أو لخطاب الكفار على سبيل الالتفات وذلك مبتدأ وبأنهم هو الخبر والضمير عائد على الكفار وتقدّم الكلام في المشاقّة في قوله فإنما هم في شقاق والمشاقّة هنا مفاعلة فكأنه تعالى لما شرع شرعاً وأمر بأوامر وكذبوا بها وصدّوا تباعد ما بينهم وانفصل وانشق وعبّر المفسرون في قوله شاقّوا الله أي صاروا في شقّ غير شقّه. ﴿وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَه فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ أجمعوا على الفكّ في يشاقق اتباعاً لخط المصحف وهي لغة الحجاز والإدغام لغة تميم كما جاء في الآية الأخرى ومن يشاق الله، وقيل فيه حذف مضاف تقديره شاقّوا
٤٧١
أولياء الله ومن شرطية والجواب فإن وما بعدها والعائد على من محذوف أي شديد العقاب له وتضمن وعيداً وتهديداً وبدأهم بعذاب الدنيا من القتل والأسر والاستيلاء عليهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧١


الصفحة التالية
Icon