﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَا وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّه وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَـاكِرِينَ﴾ لما ذكر المؤمنين نعمه عليهم ذكره صلى الله عليه وسلّم نعمه عليه في خاصة نفسه وكانت قريش قد تشاوروا في دار الندوة بما تفعل به فمن قائل : يحبس ويقيّد ويتربّص به ريب المنون ومن قائل : يخرج من مكة تستريحوا منه وتصور إبليس في صورة شيخ نجدي وقيل هذين الرأيين ومن قائل : يجتمع من كل قبيلة رجل ويضربونه ضربة واحدة بأسيافهم فيتفرق دمه في القبائل فلا تقدر بنو هاشم لمحاربة قريش كلها فيرضون بأخذ الدية فصوّب إبليس هذا الرأي فأوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلّم بذلك وأمره أن لا يبيت في مضجعه وأذن له بالخروج إلى المدينة وأمر عليًّا أن يبيت في مضجعه ويتّشح ببردته وباتوا راصدين فبادروا إلى المضجع فأبصروا عليًّا فبُهتوا وخلف عليًّا ليردّ ودائع كانت عنده وخرج إلى المدينة. قال ابن عباس ومجاهد : ليثبتوك أي يقيّدوك، وقال عطاء والسدّي : ليثخنوك بالجرح والضرب من قولهم ضربوه حتى أثبتوه لا حراك به ولا براح ورمي الطائر فأثبته أي أثخنه. قال الشاعر :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٣
فقلت ويحك ماذا في صحيفتكمقال الخليفة أمسى مثبتاً وجعا
أي مثخناً. وقرأ النخعي ليبيتوك من البيات وهذا المكر هنا هو بإجماع المفسّرين ما اجتمعت عليه قريش في دار الندوة كما أشرنا إليه وهذه الآية مدنيّة كسائر السورة وهو الصواب، وعن عكرمة ومجاهد إنها مكية وعن ابن زيد نزلت عقيب كفاية الله رسوله المستهزئين ويتأوّل قول عكرمة ومجاهد على أنهما أشارا إلى قصة الآية إلى وقت نزولها وتكرر ويمكرون إخباراً باستمرار مكرهم وكثرته وتقدم شرح مثل باقي الآية في آل عمران.
﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَـاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـاذَآ﴾. قائل ذلك هو النضر بن الحارث واتبعه قائلون كثيرون وكان من مردة قريش سافر
٤٨٧
إلى فارس والحيرة وسمع من قصص الرهبان والأناجيل وأخبار رستم واسفنديار ويرى اليهود والنصارى يركعون ويسجدون، قتله رسول الله صلى الله عليه وسلّم صبراً بالصفراء بالأنيل منها منصرفه من بدر، وفي هذا التركيب جواز وقوع المضارع بعد إذا وجوابه الماضي جوازاً فصيحاً بخلاف أدوات الشرط فإنه لا يجوز ذلك فيها إلا في الشعر نحو :
من يكدني بشيء كنت منه
ومعنى قد سمعنا قد سمعنا ولا نطيع أو قد سمعنا منك هذا وقولهم لو نشاء أي لو نشاء القول لقلنا مثل هذا الذي تتلوه وذكر على معنى المتلو وهذا القول منهم على سبيل البهت والمصادمة وليس ذلك في استطاعهم فقد طولبوا بسورة منه فعجزوا وكان أصعب شيء إليهم الغلبة وخصوصاً في باب البيان فقد كانوا يتمالطون ويتعارضون ويحكم بينم في ذلك وكانوا أحرص الناس على قهر رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكيف يحيلون المعارضة على المشيئة ويتعللون بأنهم لو أرادوا لقالوا مثل هذا القول.
﴿إِنْ هَـاذَآ إِلا أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ﴾. تقدم شرحه في الأنعام.
﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ قائل ذلك النضر، وقيل أبو جهل رواه البخاريّ ومسلم، وقال الجمهور : قائل ذلك كفار قريش والإشارة في قوله إن كان هذا إلى القرآن أو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلّم من التوحيد وغيره أو نبوّة محمد صلى الله عليه وسلّم من بين سائر قريش أقوال وتقدّم الكلام على اللهم، وقرأ الجمهور هو الحقّ بالنصب جعلوا هو فصلاً، وقرأ الأعمش وزيد بن عليّ بالرفع وهي جائزة في العربية فالجملة خبر كان وهي لغة تميم يرفعون بعد هو التي هي فصل في لغة غيرهم كما قال :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٣
وكنت عليها بالملا أنت أقدر


الصفحة التالية
Icon