كان يمكو على الصفا فيسمع من جبل حراء وبينهما أربعة أميال وعلى هذا يستقيم تعييرهم وتنقيصهم بأن شرعهم وصلاتهم وعبادتهم لم تكن رهبة ولا رغبة إنما كانت مكاء وتصدية من نوع اللعب، ولكنهم كانوا يتزيّدون فيها وقت قراءة النبي صلى الله عليه وسلّم ليشغلوه وأمته عن القراءة والصلاة، قال ابن عمر ومجاهد والسدّي : والمكاء : الصفير، والتصدية : التصفيق، وعن مجاهد أيضاً المكاء إدخالهم أصابعهم في أفواههم والتصدية الصفير والصفير بالفم وقد يكون بالأصابع والكف في الفم قاله مجاهد وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وقد يشارك الأنف يريدون أن يشغلوا بذلك الرسول عن الصلاة، وقال ابن جبير وابن زيد : التصدية صدهم عن البيت، وقال ابن بحر : إنّ صلاتهم ودعاءهم غير رادّين عليهم ثواباً إلا كما يجيب الصدى الصائح فتلخص في معنى الآية ثلاثة أقوال : أحدها : ما ظاهره أن الكفار كانت لهم صلاة وتعبّد وذلك هو المكاء والتصدية، والثاني : أنه كانت لهم صلاة ولا جدوى لها ولا ثواب فجعلت كأنها أصوات الصدا حيث لها حقيقة، والثالث : أنه لا صلاة لهم لكنهم أقاموا مقامها المكاء والتصدية، وقال بعض شيوخنا : أكثر أهل العلم على أنّ الصلاة هنا هي الطواف وقد سمّاه الرسول صلى الله عليه وسلّم صلاة، وقرأ إبان بن تغلب وعاصم والأعمش بخلاف عنهما صلاتهم بالنصب الإمكاء وتصدية بالرفع وخطا قوم منهم أبو علي الفارسي هذه القراءة لجعل المعرفة خبراً والنكرة اسماً قالوا : ولا يجوز ذلك إلا في ضرورة كقوله :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٣
يكون مزاجها عسل وماء
وخرّجها أبو الفتح على أنّ المكاء والتصدية اسم جنس واسم الجنس تعريفه وتنكيره واحد انتهى، وهو نظير قول من جعل نسلخ صفة لليل في قوله ﴿وَءَايَةٌ لَّهُمُ الَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾ ويسبني صفة للئيم في قوله :
ولقد أمر على اللئيم يسبني
وقرأ أبو عمر وفيما روي عنه إلا مكاباً لقصر منوّناً فمن مدّ فكالثغاء والرغاء ومن قصّر فكالبكا في لغة من قصّر والعذاب في قوله فذوقوا العذاب، قيل هو في الآخرة، وقيل هو قتلهم وأخذ غنائمهم ببدر وأسرهم، قال ابن عطية : فيلزم أن تكون هذه الآية الأخيرة نزلت بعد بدر ولا بدّ، والأشبه أنّ الكلّ بعد بدر حكاية عن ماض وكون عذابهم بالقتل يوم بدر هو قول الحسن والضحاك وابن جريج.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾ قال مقاتل والكلبيّ نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثنى عشر رجلاً أبو جهل بن هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ونبيه ومنبه ابنا حجّاج وأبو البحتري بن هشام والنضر بن الحرث وحكيم بن حرام وأبيّ بن خلف وزمعة بن الأسود والحارث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبد المطلب، وكلهم من قريش وكان يطعم كلّ واحد منهم كل يوم عشر جزائر، وقال مجاهد والسدّي وابن جبير وابن ابزي : نزلت في أبي سفيان بن حرب استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي صلى الله عليه وسلّم سوى من استجاش من العرب، وفيهم يقول كعب بن مالك :
فجئنا إلى موج من البحر وسطهأحابيش منهم حاسر ومقنع ثلاثة آلاف ونحن بقيّةثلاث مئين إن كثرنا وأربع
وقال الحكم بن عيينة : أنفق على الأحابيش وغيرهم أربعين أوقية من ذهب، وقال الضحّاك وغيره : نزلت في نفقة المشركين الخارجين إلى بدر كانوا ينحرون يوماً عشراً من الإبل ويوماً تسعاً وهذا نحو من القول الأوّل، وقال ابن إسحاق عن رجاله لما رجع فل قريش إلى مكة من بدر ورجع أبو سفيان بعيره كلم أبناء من أصيب ببدر وغيرهم أبا سفيان وتجّار العِير في الإعانة بالمال الذي سلم لعلّنا ندرك
٤٩٢


الصفحة التالية
Icon