﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ أي فإن تظفر بهم في الحرب وتتمكن منهم فشرّد بهم من خلفهم، قال ابن عباس فنكّل بهم من خلفهم، وقال ابن جبير : أنذر من خلفهم عن قتل من ظفر به وتنكيله فكان المعنى فإن تظفر بهم فاقتلهم قتلاً ذريعاً حتى يفرّ عنك من خلفهم ويتفرّق ولما كان التّشريد وهو التّطريد والإبعاد ناشئاً عن قتل من ظفر به في الحرب من المعاهدين الناقضين جعل جواباً للشرط إذ هو يتسبب عن الجواب، وقالت فرقة فسمع بهم وحكاه الزهراوي عن أبي عبيدة، وقال الزمخشري : من وراءهم من الكفرة حتى لا يجسر عليك بعدهم أحد اعتباراً بهم واتعاظاً بحالهم، وقال الكرماني : قيل التّشريد التخويف الذي لا يبقى معه القرار أي لا ترضَ منهم إلاّ الإيمان أو السيف. وقرأ الأعمش بخلاف عنه فشرّذ بالذال وكذا في مصحف عبد الله قالوا ولم تحفظ هذه المادة في لغة العرب، فقيل : الذال بدل من الدال كما قالوا لحم خراديل وخزاذيل، وقال الزمخشري : فشرّذ بالذال المعجمة بمعنى ففرّق وكأنه مقلوب شذر من قولهم ذهبوا شذر ومنه الشّذَر الملتقط من المعدن لتفرّقه انتهى. وقال الشاعر :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٩٥
غرائر في كن وصون ونعمةتحلين ياقوتاً وشذراً مفقراً
وقال قطرب : بالذال المعجمة التنكيل وبالمهملة التفريق، وقرأ أبو حيوة والأعمش بخلاف عنه من خلفهم جاراً ومجروراً ومفعول فشرد محذوف أي ناساً من خلفهم والضمير في لعلّهم يظهر أنه عائد على من خلفهم وهم المشرّدون أي لعلّهم يتعظون بما جرى لنا قضي العهد أو يتذكرون بوعدك إياهم وقيل : الضمير عائد إلى المثقوفين وفيه بعد لأن من قُتل لا يتذكر.
﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانابِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَآءٍا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَا ـاِنِينَ﴾. الظاهر أنّ هذا استئناف كلام أخبره الله تعالى بما يصنع في المستقبل مع من يخاف منه خيانة إلى سالف الدهر. وقال مجاهد هي في بني قريظة ولا يظهر ما قال لأن بني قريظة لم يكونوا في حد من خاف منه خيانة لأن خيانتهم كانت ظاهرة مشهورة، ولقوله من قوم فلو كانت في بني قريظة وإما تخافنّ منهم، وقال يحيى بن سلام : تخافنّ بمعنى تعلم وحكاه بعضهم أنه قول الجمهور، وقيل الخوف على بابه فالمعنى أنه يظهر منهم مبادىء الشرّ وينقل عنهم أقوال تدلّ على الغدر فالمبادىء معلومة والخيانة التي هي غاية المبادىء مخوفة لا متيقنة ولفظ الخيانة دالّ على تقدم عهد لأنه من لا عهد بينك وبينه لا تكون محاربته خيانة فأمر الله تعالى نبيه إذا أحسّ من أهل عهد ما ذكرنا وخاف خيانتهم أن يلقي إليهم عهدهم وهو النّبذ ومفعول فانبذ محذوف التقدير فانبذ إليهم عهدهم أي ارمه واطرحه، وفي قوله فانبذ عدم اكتراث به كقوله فنبذوه وراء ظهورهم فنبذناهم في اليم كما قال، نبذ الحذاء المرقع، وكأنه لا ينبذ ولا يرمي إلا الشيء التافه الذي لا يبالي به وقوّة هذا اللفظ تقتضي حربهم ومناجزتهم أن يستقصوا ومعنى على سواء أي على طريق مستو قصد وذلك أن تظهر لهم نبذ العهد وتخبرهم إخباراً مكشوفاً بيّناً إنك قطعت ما بينك وبينهم ولا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد فيكون ذلك خيانة منك إنّ الله لا يحب الخائنين فلا يكن منك إخفاءً للعهد قاله الزمخشري بلفظه وغيره كابن عباس بمعناه، وقال الوليد بن مسلم : على سواء على مهل كما قال تعالى :﴿بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِا إِلَى الَّذِينَ عَـاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ الآية. وقال الفرّاء المعنى فانبذ إليهم على اعتدال وسواء من الأمر أي بيّن لهم على قدر ما ظهر منهم لا تفرط ولا تفجأ بحرب بل افعل بهم مثل ما فعلوا بك يعني موازنة ومقايسة. وقرأ زيد بن علي سواء بكسر
٥٠٩
السين وظاهر أنّ الله أن يكون تعليلاً لقوله : فانبذ أي فانبذ إليهم على سواء على تبعد من الخيانة إنّ الله لا يحبّ الخائنين ويحتمل أن يكون طعناً على الخائنين الذين عاهدهم الرسول ويحتمل على سواء أن يكون في موضع الحال من الفاعل في فانبذ أي كائناً على طريق قصد أو من الفاعل والمجرور أي كائنين على استواء في العلم أو في العداوة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٩٥
﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ﴾ قال الزهري : نزلت فيمن أفلت من الكفار في بدر فالمعنى لا تظنهم ناجين مفلتين فإنهم لا يعجزون طالبهم بل لا بد من أخذهم، قيل : وذلك في الدّنيا ولا يفوتون بل يظفرك الله بهم، وقيل : في الآخرة قاله الحسن وقيل : الذين كفروا عام قاله ابن عباس وأعجز غلب وفات، قال سويد :
وأعجزنا أبو ليلى طفيلصحيح الجلد من أثر السلاح


الصفحة التالية
Icon