زيد، ويؤيده هلاك الذي سمع صوت ملك في السحاب يقول : أقدم حيزوم فمات لسماع صوته فكيف لو رآه في خلقته. قال ابن عطية : ولا يعارض هذا برؤية النبي صلى الله عليه وسلّم لجبريل وغيره في صورهم، لأنه عليه السلام أعطى قوة يعني غير قوى البشر وجاء بلفظ رجل ردًّا على المخاطبين بهذا، إذ كانوا يزعمون أن الملائكة إناث. وقال القرطبي : لو جعل الله الرسول إلى البشر ملكاً لفروا من مقاربته وما أنسوا به، ولداخلهم من الرعب من كلامه ما يلكنهم عن كلامه ويمنعهم عن سؤاله، فلا تعم المصلحة ولو نقله عن صورة الملائكة إلى مثل صورتهم لقالوا : لست ملكاً وإنما أنت بشر فلا نؤمن بك وعادوا إلى مثل حالهم ؛ انتهى. وهو جمع كلام من قبله من المفسرين، وفي هذه الآية دليل على من أنكر نزول الملائكة إلى الأرض وقالوا : هي أجسام لطيفة ليس فيها ما يقتضي انحطاطها ونزولها إلى الأرض، ورد ذلك عليهم بأنه تعالى قادر أن يودع أجسامها ثقلاً يكون سبباً لنزولها إلى الأرض ثم يزيل ذلك، فتعود إلى ما كانت عليه من اللطافة والخفة فيكون ذلك سبباً لارتفاعها ؛ انتهى. هذا الردّ والذي نقول إن القدرة الإلهية تنزل الخفيف وتصعد الكثيف من غير أن يجعل في الخفيف ثقلاً وفي الكثيف خفة وليس هذا بالمستحيل، فيتكلف أن يودع في الخفيف ثقلاً وفي الكثيف خفة، وفي الآية دليل على إمكان تمثيل الملائكة بصورة البشر وهو صحيح واقع بالنقل المتواتر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٥
﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾ أي ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ، فإنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة إنسان : هذا إنسان وليس بملك، فإني أستدل بأني جئت بالقرآن المعجز وفيه أني ملك لا بشر كذبوه كما كذبوا الرسل فخذلوا كما هم مخذولون، ويجوز أن يكون المعنى ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم﴾ حينئذ مثل ﴿مَّا يَلْبِسُونَ﴾ على نفسهم الساعة في كفرهم بآيات الله قاله الزمخشري وفيه بعض تلخيص. وقال ابن عطية : ولخلطنا عليهم ما يخلطون به على أنفسهم وضعفتهم، أي : لفعلنا لهم في ذلك تلبساً يطرّق لهم إلى أن يلبسوا به وذلك لا يحسن، ويحتمل الكلام مقصداً آخر أي نحن ﴿سَوَا ءٌ عَلَيْهِمْ﴾ كما يلبسون هم على ضعفتهم، فكنا ننهاهم عن التلبيس ونفعله نحن ؛ انتهى. وقال قوم : كان يحصل التلبيس لاعتقادهم أن الملائكة إناث فلو رأوه في صورة رجل حصل التلبيس عليهم كما حصل منهم التلبيس على غيرهم. وقال قوم منهم الضحاك : الآية نزلت في اليهود والنصارى في دينهم وكتبهم حرفوها وكذبوا رسلهم، فالمعنى في اللبس زدناهم ضلالاً على ضلالهم. وقال ابن عباس : لبس الله عليهم ما لبسوا على أنفسهم بتحريف الكلام عن مواضعه، و﴿مَآ﴾ مصدرية وأضاف اللبس إليه تعالى على جهة الخلق، وإليهم على جهة الاكتساب. وقرأ ابن محيصن : ولبسنا بلام واحدة والزهري ﴿وَلَلَبَسْنَا﴾ بتشديد الباء.
﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِى َ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ﴾. هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم على ما كان يلقى من قومه وتأسّ بمن سبق من الرسل وهو نظير وإن يكذبوك فقد كذب رسل من قبلك لأن ما كان مشتركاً من ما لا يليق أهون على النفس مما يكون فيه الانفراد وفي التسلية والتأسي من التخفيف ما لا يخفى. وقالت الخنساء :
ولولا كثرة الباكين حوليعلى إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكنأسلي النفس عنه بالتأسي
وقال بعض المولدين :
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءةيواسيك أو يسليك أو يتوجع
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٥


الصفحة التالية
Icon