﴿نُرَدُّ﴾ أو على الاستئناف أي ونحن نكون وتضعف فيه الحال لأنه مضارع مثبت فلا يكون حالاً بالواو إلا على تأويل مبتدأ محذوف نحو نجوت، وأرهنهم مالكاً وأنا أرهنهم مالكاً والظاهر أنهم تمنوا الرّد من الآخرة إلى الدنيا. وحكى الطبري تأويلاً في الرّد وهو أنهم تمنوا أن يردوا من عذاب النار إلى الوقوف على النار التي وقفوا عليها فالمعنى : يا ليتنا نوقف هذا الوقوف غير مكذبين بآيات ربنا كائنين من المؤمنين، قال : ويضعف هذا التأويل من غير وجه يبطله، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ولا يصح أيضاً التكذيب في هذا التمني لأنه تمني ما قد مضى، وإنما يصح التكذيب الذي ذكرناه قبل هذا على تجوز في تمني المستقبلات ؛ انتهى. وأورد بعضهم هنا سؤالاً فقال : فإن قيل كيف يتمنون الرّد مع علمهم بتعذر حصوله، وأجاب بقوله : قلنا لعلهم لم يعلموا أن الرد لا يحصل، والثاني : أن العلم بعدم الرد لا يمنع من الإرادة كقوله :﴿يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ﴾ وأن أفيضوا علينا من الماء}. انتهى. ولا يرد هذا السؤال لأن التمني يكون في الممكن والممتنع بخلاف الترجّي فإنه لا يكون إلا في الممكن، فورد التمني هنا على الممتنع وهو أحد قسمي ما يكون التمني له في لسان العرب، والأصح أن. انتهى. ولا يرد هذا السؤال لأن التمني يكون في الممكن والممتنع بخلاف الترجّي فإنه لا يكون إلا في الممكن، فورد التمني هنا على الممتنع وهو أحد قسمي ما يكون التمني له في لسان العرب، والأصح أن في قوله حرف تنبيه لا حرف نداء والمنادى محذوف لأنّ في هذا حذف جملة النداء وحذف متعلقة رأساً وذلك إجحاف كثير.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٤
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ﴾ ﴿بَلِ﴾ هنا للإضراب والانتقال من شيء إلى شيء من غير إبطال لما سبق، وهكذا يجيء في كتاب الله تعالى إذا كان ما بعدها من إخبار الله تعالى لا على سبيل الحكاية عن قوم، تكون ﴿بَلِ﴾ فيه للإضراب كقوله ﴿بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾ ومعنى ﴿بَدَأَ﴾ ظهر. وقال الزجاج :﴿بَلِ﴾ هنا استدراك وإيجاب نفي كقولهم : ما قام زيد بل قام عمرو ؛ انتهى. ولا أدري ما النفي الذي سبق حتى توجبه ﴿بَلِ﴾. وقال غيره :﴿بَلِ﴾ رد لما تمنوه أي ليس الأمر على ما قالوه ؛ لأنهم لم يقولوا ذلك رغبة في الإيمان بل قالوه إشفاقاً من العذاب وطمعاً في الرحمة ؛ انتهى. ولا أدري ما هذا الكلام، والظاهر أن الضمير في ﴿لَهُمْ﴾ عائد على من عاد عليه في وقفوا. قال أبو روق : وهم جميع الكافرين يجمعهم الله ويقول ﴿أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ﴾ الآية فيقولون ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا﴾ الآية، فتنطق جوارحهم وتشهد بأنهم كانوا يشركون في الدنيا وبما كتموا، فذلك قوله ﴿بَلْ بَدَا لَهُم﴾ فعلى هذا يكون من قبل راجعاً إلى الآخرة أي من قبل بدوه في الآخرة. وقال قتادة : يظهر ﴿مَّا كَانُوا يُخْفُونَ﴾ من شركهم. وقال ابن عباس : هم اليهود والنصارى، وذلك أنهم لو سئلوا في الدّنيا هل تعاقبون على ما أنتم عليه ؟ قالوا : لا ثم ظهر لهم عقوبة شركهم في الآخرة فذلك قوله ﴿بَلْ بَدَا لَهُم﴾. وقيل : كفار مكة ظهر لهم ما أخفوه من أمر البعث بقولهم :﴿مَا هِىَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ﴾ وقيل : المنافقون كانوا يخفون الكفر فظهر لهم وباله يوم القيامة. وقيل : الكفار الذين كانوا إذا وعظهم الرسول خافوا وأخفوا ذلك الخوف لئلا يشعربهم أتباعهم فيظهر ذلك لهم يوم القيامة. وقيل : اليهود والنصارى وسائر الكفار ويكون الذي يخفونه نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم وأحواله والمعنى بدا لهم صدقك في النبوّة وتحذيرك من عقاب الله، وهذه الأقوال على أن الضمير في
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٤
﴿لَهُمْ﴾ و﴿يَخَافُونَ﴾ عائد على جنس واحد. وقيل : الضمير مختلف أي بدا للاتباع ما كان الرؤساء يحفونه عنهم من الفساد، وروي عن الحسن نحو هذا. وقيل : بدا لمشركي العرب ما كان أهل الكتاب يخفونه عنهم من البعث، وأمر النار لأنه سبق ذكر أهل الكتاب في قوله ﴿الَّذِينَ ءَاتَيْنَـاهُمُ الْكِتَـابَ﴾ يعرفونه. وقيل :﴿بَلْ بَدَا لَهُم﴾ أي لبعضهم ما كان يخفيه عنه بعضهم، فأطلق كلاًّ على بعض مجازاً. وقال الزهراوي : ويصح أن يكون مقصود الآية الإخبار عن هول يوم القيامة فعبر عن ذلك بأنهم ظهرت
١٠٣
لهم مستوراتهم في الدنيا من معاص وغيرها، فكيف الظن على هذا بما كانوا يعلنون به من كفر ونحوه، وينظر إلى هذا التأويل قوله تعالى في تعظيم شأن يوم القيامة ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآاِرُ﴾. وقال الزمخشري :﴿مَّا كَانُوا يُخْفُونَ﴾ من الناس من قبائحهم وفضائحهم في صحفهم وشهادة جوارحهم عليهم، فلذلك تمنوا ما تمنوا ضجر إلا أنهم عازمون على أنهم لو ردّوا لآمنوا ؛ انتهى.


الصفحة التالية
Icon