وآياته قال السدّي : محمد صلى الله عليه وسلّم. وقال ابن السائب : محمد والقرآن. وقال مقاتل : القرآن. وقال ابن عطية : آيات الله علاماته وشواهد نبيه صلى الله عليه وسلّم والجحود إنكار الشيء بعد معرفته وهو ضد الإقرار، فإن كانت نزلت في الكافرين مطلقاً فيكون في الجحود تجوز إذ كلهم ليس كفره بعد معرفة ولكنهم لما أنكروا نبوّته وراموا تكذيبه بالدعوى الباطلة عبر عن إنكارهم بأقبح وجوه الإنكار وهو الجحد تغليظاً عليهم وتقبيحاً لفعلهم، إذ معجزاته وآياته نيرة يلزم كل مفطور أن يقربها ويعلمها وإن كانت نزلت في المعاندين ترتب الجحود حقيقة وكفر العناد يدل عليه ظواهر القرآن وهو واقع أيضاً كقصة أبي جهل مع الأخنس بن شريق وقصة أمية بن أبي الصلت، وقوله : ما كنت لأومن بنبي لم يكن من ثقيف، ومنع بعض المتكلمين جواز كفر العناد، لأن المعرفة تقتضي الإيمان والجحد يقتضي الكفر، فامتنع اجتماعهما، وتأولوا ظواهر القرآن فقالوا : في قوله :﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ﴾ أنها في أحكام التوراة التي بدلوها كآية الرجم ونحوها. قال ابن عطية : وكفر العناد من العارف بالله وبالنبوة بعيد ؛ انتهى. والتأويلات في نفي التكذيب إنما هو عن اعتقاداتهم إما بالنسبة إلى أقوالهم فأقوالهم مكذبة إما له وإما لما جاء به.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٠
﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَـاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ قال الضحاك وابن جريج : عزى الله تعالى نبيه بهذه الآية فعلى قولهما يكون هو صلى الله عليه وسلّم قد كذب وهو مناف لقوله : فإنهم لا يكذبونك وزوال المنافاة بما تقدم من التأويلات كقول الزمخشري وغيره أن قوله :﴿لا يُكَذِّبُونَكَ﴾ ليس هو من نفي تكذيبه حقيقة. قال : وإنما هو من باب قولك لغلامك : ما أهانوك ولكن أهانوني وجاء قوله : ولقد كذبت رسل من قبلك تسلية له صلى الله عليه وسلّم ولما سلاه تعالى بأنهم بتكذيبك إنما كذبوا الله تعالى سلاه ثانياً بأن عادة أتباع الرسل قبلك تكذيب رسلهم، وأن الرسل صبروا فتأسَّ بهم في الصبر، وما في قوله :﴿مَا كُذِّبُوا ﴾ مصدرية أي فصبروا على تكذيبهم والمعنى فتأسّ بهم في الصبر على التكذيب والأذى حتى يأتيك النصر والظفر كما أتاهم. قال ابن عباس :﴿فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا ﴾ رجاء ثوابي وأوذوا حتى نشروا بالمناشير وحرقوا بالنار، حتى أتاهم نصرنا بتعذيب من يكذبهم ؛ انتهى. ويحتمل ﴿وَأُوذُوا ﴾ أن يكون معطوفاً على قوله :﴿كَذَّبَتْ﴾ ويحتمل أن يكون معطوفاً على قوله ﴿فَصَبَرُوا ﴾ ويبعد أن يكون معطوفاً على ﴿كَذَّبُوا ﴾ ويكون التقدير فصبروا على تكذيبهم وإيذائهم، وروي عن ابن عامر أنه قرأوا أذوا بعير واو بعد الهمزة جعله ثلاثياً لا رباعياً من أذيت فلاناً لا من آذيت، وفي قوله :﴿نَصْرُنَا﴾ التفات إذ قبله بآيات الله وبلاغة هذا الالتفات أنه أضاف النصر إلى الضمير المشعر بالعظمة المتنزل فيه الواحد منزلة الجمع والنصر مصدر أضيف إلى الفاعل والمفعول محذوف أي نصرنا إياهم على مكذبيهم ومؤذيهم، والظاهر أن الغاية هنا الصبر والإيذاء لظاهر عطف ﴿وَأُوذُوا ﴾ على ﴿فَصَبَرُوا ﴾ وإن كان معطوفاً على ﴿كَذَّبُوا ﴾ فتكون الغاية للصبر أو معطوفاً على ﴿كَذَّبَتْ﴾ فغاية له وللتكذيب أو للإيذاء فقط.
﴿وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـاتِ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس : أي لمواعيد الله ولم يذكر
١١٢
الزمخشري غيره قال : لمواعيده من قوله ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ﴾. وقال الزجاج لما أخبر به وما أمر به والإخبار والأوامر من كلمات الله، واقتصر ابن عطية على بعض ما قال الزجاج فقال : ولا راد لأوماره. وقيل : المعنى لحكوماته وأقضيته، كقوله ﴿وَلَـاكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾ أي وجب ما قضاه عليهم. وقيل : المعنى لا يقدر أحد على تبديل كلمات الله وإن زخرف واجتهد، لأنه تعالى صانه برصين اللفظ وقويم المعنى أن يخلط بكلام أهل الزيغ. وقيل : اللفظ خبر والمعنى على النهي أي لا يبدل أحد كلمات الله، فهو كقوله ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ أي لا يرتابون فيه على أحد الأقوال.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٠


الصفحة التالية
Icon