﴿ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾ : أي المتصف بالإيجاد والتدبير والكبرياء هو ربكم الناظر في مصالحكم، فهو المستحق للعبادة، إذ لا يصلح لأن يعبد إلا هو تعالى، فلا تشركوا به بعض خلقه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٠
﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ : حض على التدبير والتفكر في الدلائل الدالة على ربوبيته وإمحاض العبادة له.
﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّه يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُه لِيَجْزِىَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ بِالْقِسْطِا وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ : ذكر ما يقتضي التذكير وهو كون مرجع الجميع إليه، وأكد هذا الإخبار بأنه وعد الله الذي لا شك في صدقه ثم استأنف الإخبار وفيه معنى التعليل بابتداء الخلق وإعادته وأن مقتضى الحكمة بذلك هو جزاء المكلفين على أعمالهم. وانتصب وعد الله وحقاً على أنهما مصدران مؤكدان لمضمون الجملة والتقدير : وعد الله وعداً، فلما حذف الناصب أضاف المصدر إلى الفاعل وذلك كقوله :﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ ﴿عَبْدُ اللَّهِ﴾ والتقدير : في حقاً حق ذلك حقاً. وقيل : انتصب حقاً بوعد على تقدير في أي وعد الله في حق. وقال علي بن سليمان التقدير : وقت حق وأنشد :
أحقاً عباد الله أن لست خارجاولا والجاً إلا عليّ رقيب
وقرأ عبد الله، وأبو جعفر، والأعمش، وسهل بن شعيب : أنه يبدأ بفتح الهمزة. قال الزمخشري : هو منصوب بالفعل، أي : وعد الله تعالى بدء الخلق ثم إعادته، والمعنى : إعادة الخلق بعد بدنة. وعد الله على لفظ الفعل، ويجوز أن يكون مرفوعاً بما نصب حقاً أي : حق حقاً بدء الخلق كقوله :
أحقاً عباد الله أن لست جائياولا ذاهباً إلا عليّ رقيت
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٠
انتهى. وقال ابن عطية : وموضعها النصب على تقدير أحق أنه. وقال الفراء : موضعها رفع على تقدير لحق أنه. قال ابن عطية : ويجوز عندي أن يكون أنه بدلاً من قوله : وعد الله. قال أبو الفتح : إن شئت قدرت لأنه يبدأ، فمن في قدرته هذا فهو غني عن إخلاف الوعد، وإن شئت قدرت وعد الله حقاً أنه يبدأ ولا يعمل فيه المصدر الذي هو وعد الله، لأنه قد وصف ذلك بتمامه وقطع عمله. وقرأ ابن أبي عبلة : حق بالرفع، فهذا ابتداء وخبره أنه انتهى. وكون حق خبر مبتدأ، وأنه هو المبتدأ هو الوجه في الإعراب كما تقول : صحيح إنك تخرج، لأنّ اسم أنّ معرفة، والذي تقدمها في نحو هذا المثال نكرة. والظاهر أنّ بدء الخلق هو النشأة الأولى، وإعادته هو البعث من القبور، وليجزي متعلق بيعيده أي : ليقع الجزاء على الأعمال. وقيل : البدء من التراب، ثم يعيده إلى التراب، ثم يعيده إلى البعث. وقيل : البدء نشأته من الماء، ثم يعيده من حال إلى حال. وقيل : يبدؤه من العدم، ثم يعيده إليه، ثم يوجده. وقيل : يبدؤه في زمرة الأشقياء، ثم يعيده عند الموت إلى زمرة الأولياء، وبعكس ذلك. وقرأ طلحة : يبدىء من أبدأ رباعياً، وبدأ وأبدأ بمعنى، وبالقسط معناه بالعدل، وهو متعلق بقوله : ليجزي أي : ليثيب المؤمنين بالعدل والإنصاف في جزائهم، فيوصل كلاًّ إلى جزائه وثوابه على حسب تفاضلهم في الأعمال، فينصف بينهم ويعدل، إذ ليسوا كلهم مساوين في مقادير الثواب، وعلى هذا يكون بالقسط منه تعالى. قال الزمخشري : أو يقسطهم بما أقسطوا أو عدلوا ولم يظلموا حين آمنوا وعملوا الصالحات، لأنّ الشرك ظلم قال الله تعالى :﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ والعصاة ظلام لأنفسهم، وهذا أوجه لمقابلة قوله : بما كانوا يكفرون انتهى، فجعل القسط من فعل الذين آمنوا وهو على طريقة الاعتزال، والظاهر أنّ والذين كفروا مبتدأ، ويحتمل أن يكون معطوفاً على قوله : الذين آمنوا، فيكون الجزاء بالعدل قد شمل الفريقين. ولما كان
١٢٤
الحديث مع الكفارة مفتتح السورة معهم، ذكر شيئاً من أنواع عذابهم فقال :﴿لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمُا بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ وتقدم شرح هذا في سورة الأنعام.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٠