وكون أحدهما يخلف الآخر. وما خلق الله في السموات من الأجرام النيرة التي فيها، والملائكة المقيمين بها وغير ذلك مما يعلمه الله تعالى. والأرض من الجوامد والمعادن والنبات والحيوان، وخص المتقين لأنهم الذين يخافون العواقب فيحملهم الخوف على تدبرهم ونظرهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٠
﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ ءَايَـاتِنَا غَـافِلُونَ * أُوالَئاِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ : الظاهر أن الرجاء هو التأيل والطمع أي : لا يؤملون لقاء ثوابنا وعقابنا. وقيل : معناه لا يخافون. قال ابن زيد : وهذه الآية في الكفار، والمعنى أنّ المكذب بالبعث ليس يرجو رحمة في الآخرة، ولا يحسن ظناً بأنه يلقى الله. وفي الكلام محذوف أي : ورضوا بالحياة الدنيا من الآخرة كقوله :﴿يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَا لَكُمْ﴾ والمعنى أنّ منتهى غرضهم وقصارى آمالهم إنما هو مقصور على ما يصلون إليه في الدنيا. واطمأنوا أي سكنوا إليها، وقتعوا بها، ورفضوا ما سواها. والظاهر أنّ قوله : والذين هم، هو قسم من الكفار غير القسم الأول، وذلك التكرير الموصول، فيدل على المغايرة، ويكون معطوفاً على اسم إنّ ويكون أولئك إشارة إلى صنفي الكفار ذي الدنيا المتوسع فيها الناظر في الآيات، فلم يؤثر عنده رجاء لقاء الله، بل رضي بالحياة الدنيا لتكذيبه بالبعث والجزاء، والعادم التوسع الغافل عن آيات الله الدالة على الهداية. ويحتمل أن يكون من عطف الصفات، فيكون الذين هم عن آياتنا غافلون، هم الذين لا يرجون لقاء الله. والظاهر أنّ واطمأنوا بها عطف على الصلة، ويحتمل أن يكون واو الحال أي : وقد اطمأنوا بها. والآيات قيل : آيات القرآن. وقيل : العلامات الدالة على الوحدانية والقدرة. وقال ابن زيد : ما أنزلناه من حلال وحرام وفرض من حدود وشرائع أحكام، وبما كانوا يكسبون إشعاراً بأنّ الأعمال السابقة يكون عنها العذاب، وفي ذلك ردّ على الجبرية، ونص على تعلق العقاب بالكسب. ومجيئه بالمضارع دليل على أنهم لم يزالوا مستمرين على ذلك ماضي زمانهم ومستقبله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٠
﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَـانِهِم تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الانْهَـارُ فِي جَنَّـاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَـاـنَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَـامٌا وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ : أي يزيد في هواهم بسبب إيمانهم السابق وتثبتهم، فأما الذين آمنوا فزادتهم أو يهديهم إلى طريق الجنة بنور إيمانهم كما قال :﴿يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـانِهِم﴾ قال مجاهد : يكون لهم إيمانهم نوراً يمشون به. وفي الحديث :"إذا قام من قبره يمثل له رجل جميل الوجه طيب الرائحة فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا عملك الصالح، فيقوده إلى الجنة" وبعكس هذا في الكافر. وقال ابن الأنباري : إيمانهم يهديهم إلى خصائص المعرفة، ومزايا في الألطاف تسر بها قلوبهم وتزول بها الشكوك والشبهات عنهم كقوله :﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى﴾ وهذه الزوائد والفوائد يجوز حصولها في الدنيا قبل الموت، ويجوز حصولها بعد الموت. قال القفال : وإذا حملنا الآية على هذا كان المعنى يديهم ربهم بإيمانهم، وتجري من تحتهم الأنهار، إلا أنه حذف الواو. وقيل : معناه تقدّمهم إلى الثواب من قول العرب : القدم تهدي الساق. وقال الحسن : يرحمهم. وقال الكلبي : يدعوهم. والظاهر أنّ تجري مستأنفاً فيكون قد أخبر عنهم بخبرين عظيمين : أحدهما هداية الله لهم وذلك في الدنيا والآخر بجريان الأنهار، وذلك في الآخرة. كما تضمنت الآية في الكفار شيئين : أحدهما : اتصافهم بانتفاء رجاء لقاء الله وما عطف عليه، والثاني : مقرهم ومأواهم وذلك النار، فصار تقسيماً للفريقين في المعنى. وتقدّم قول القفال : أن يكون تجري معطوفاً حذف منه الحرف، وأن يكون حالاً ومعنى من تحتهم أي : من تحت منازلهم. وقيل : من بين أيديهم، وليس التحت الذي هو بالمسافة، بل يكون إلى ناحية من الإنسان. ومنه :﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ وقال : وهذه الأنهار تجري من تحتي.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٠


الصفحة التالية
Icon