١٢٨
طلب التعجيل، وذاك واقع من الله، وهذا مضاف إليهم فلا يكون التقدير على ما قاله الزمخشري، فيحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون التقدير تعجيلاً مثل استعجالهم بالخير، فشبه التعجيل بالاستعجال، لأنّ طلبهم للخير ووقوع تعجيله مقدم عندهم على كل شيء. والثاني : أن يكون ثم محذوف يدل عليه المصدر تقديره : ولو يعجل الله للناس الشر إذا استعجلوا به استعجالهم بالخير، لأنّهم كانوا يستعجلون بالشر ووقوعه على سبيل التهكم، كما كانوا يستعجلون بالخير. وقرأ ابن عامر : لقضى مبنياً للفاعل أجلهم بالنصب، والأعمش لقضينا، وباقي السبعة مبنياً للمفعول، وأجلهم بالرفع. وقضى أكمل، والفاء في فنذر جواب ما أخبر به عنهم على طريق الاستئناف تقديره : فنحن نذر قاله الحوفي. وقال أبو البقاء : فنذر معطوف على فعل محذوف تقديره : ولكن نمهلهم فنذر.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٠
﴿وَإِذَا مَسَّ الانسَـانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنابِهِا أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّه مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى ﴾ : ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما استدعوا حلول الشر بهم، وأنه تعالى لا يفعل ذلك بطلبهم بل يترك من يرجو لقاءه يعم في طغيانه، بيِّن شدة افتقار الناس إليه واضطرارهم إلى استمطار إحسانه مسيئهم ومحسنهم، وأنّ من لا يرجو لقاءه مضطر إليه حاله مس الضر له، فكل يلجأ إليه حينئذ ويفرده بأنه القادر على كشف الضر. والظاهر أنه لا يراد بالإنسان هنا شخص معين كما قيل : إنه أبو حذيفة هاشم بن المغيرة بن عبد الله المخزومي قاله : ابن عباس ومقاتل. وقيل : عقبة بن ربيعة. وقيل : الوليد بن المغيرة. وقيل : هما قاله عطاء. وقيل : النضر بن الحرث، وأنه لا يراد به الكافر، بل، المراد الإنسان من حيث هو، سواء كان كافراً أم عاصياً بغير الكفر. واحتملت هذه الأقوال الثلاثة أن تكون لشخص واحد، واحتملت أن تكون لأشخاص، إذ الإنسان جنس. والمعنى : أنّ الذي أصابه الضر لا يزال داعياً ملتجئاً راغباً إلى الله في جميع حالاته كلها. وابتدأ بالحالة الشاقة وهي اضطجاعه وعجزه عن النهوض، وهي أعظم في الدعاء وآكد ثم بما يليها، وهي حالة القعود، وهي حالة العجز عن القيام، ثم بما يليها وهي حالة القيام وهي حالة العجز عن المشي، فتراه يضطرب ولا ينهض للمشي كحالة الشيخ الهرم. ولجنبه حال أي : مضطجعاً، ولذلك عطف عليه الحالان، واللام على بابها عند البصريين والتقدير : ملقياً لجنبه، لا بمعنى على خلافاً لزاعمه. وذو الحال الضمير في دعانا، والعامل فيه دعانا أي : دعانا ملتبساً بأحد هذه الأحوال. وقال ابن عطية : ويجوز أن يكون حالاً من الإنسان، والعامل فيه مس. ويجوز أن يكون حالاً من الفاعل في دعانا، والعامل فيه دعا وهما معنيان متباينان. والضر : لفظ عام لجميع الأمراض. والرزايا في النفس والمال والأحبة، هذا قول اللغويين. وقيل : هو مختص برزايا البدن الهزال والمرض انتهى. والقول الأول قول الزجاج. وضعف أبو البقاء أن يكون لجنبه فما بعده أحوالاً من الإنسان والعامل فيها مس، قال : لأمرين : أحدهما : أنّ الحال على هذا واقع بعد جواب إذا وليس بالوجه. والثاني : أنّ المعنى كثرة دعائه في كل أحواله، لا على الضر يصيبه في كل أحواله، وعليه آيات كثيرة في القرآن انتهى. وهذه الثاني يلزم فيه من مسه الضر في هذه الأحوال دعاؤه في هذه الأحوال، لأنه جواب ما ذكرت فيه هذه الأحوال، فالقيد في حيز الشرط قيد في الجواب كما تقول :
١٢٩
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٠


الصفحة التالية
Icon