وقرأ أشياخ عوف ابن أبي جميلة : وازيانت بنون مشدّدة وألف ساكنة قبلها. قال ابن عطية : وهي قراءة أبي عثمان النهدي. وقرأت فرقة : وازّاينت، والأصل وتزاينت فأدغم، والظن هنا على بابه من ترجيح أحد الجائزين. وقيل : بمعنى أيقنوا وليس بسديد، ومعنى القدرة عليها التمكن من تحصيلها ومنفعتها ورفع غلتها، وذلك لحسن نموها وسلامتها من العاهات. والضمير في أهلها عائد على الأرض، وهو على حذف مضاف أي : أهل نباتها. وقيل : الضمير عائد على الغلة. وقيل : على الزينة، وهو ضعيف. وجواب إذا قوله : أتاها أمرنا كالريح والصر والسموم وغير ذلك من الآفات كالفار والجراد. وقيل : أتاها أمرنا بإهلاكها، وأبهم في قوله : ليلاً أو نهاراً، وقد علم تعالى متى يأتيها أمره، أو تكون أو للتنويع، لأنّ بعض الأرض يأتيها أمره تعالى ليلاً وبعضها نهاراً، ولا يخرج كائن عن وقوعه فيهما. والحصيد : فعيل بمعنى مفعول أي : المحصود، ولم يؤنث كما لم تؤنث امرأة جريج. وقال أبو عبيدة : الحصيد المستأصل انتهى. وعبر بحصيد عن التألف استعارة، جعل ما هلك من الزرع بالآفة قبل أوانه حصيداً العلامة ما بينهما من الطرح على الأرض. وقيل : يجوز أن تكون تشبيهاً بغير الأداة والتقدير : فجعلناها كالحصيد. وقوله : كأن لم تغن بالأمس، مبالغة في التلف والهلاك حتى كأنها لم توجد قبل، ولم يقم بالأرض بهجة خضرة نضرة تسر أهلها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٠
وقرأ الحسن وقتادة : كأن لم يغن بالياء على التذكير. فقيل : عائد على المضاف المحذوف الذي هو الزرع، حذف وقامت هاء التأنيث مقامه في قوله : عليها، وفي قوله : أتاها فجعلناها. وقيل : عائد على الزخرف، والأولى عوده على الحصيد أي : كأن لم يغن الحصيد. وكان مروان بن الحكم يقرأ على المنبر : كأن لم تتغن بتائين مثل تتفعل. وقال الأعشى : طويل الثواء طويل التغني، وهو من غنى بكذا أقام به. قال الزمخشري : والأمس مثل في الوقت. كأنه قيل : كأن لم تغن آنفاً انتهى. وليس الأمس عبارة عن مطلق الوقت، ولا هو مرادف كقوله : آنفاً، لأنّ آنفاً معناه الساعة، والمعنى : كأن لم يكن لها وجود فيما مضى من الزمان. ولولا أنّ قائلاً قال في غير القرآن كأن لم يكن لها وجود الساعة لم يصح هذا المعنى، لأنه لا وجود لها الساعة، فكيف تشبه وهي لا وجود لها حقيقة بما لا وجود لها حقيقة ؟ إنما يشبه ما انتفى وجوده الآن بما قدر انتفاء وجوده في الزمان الماضي، لسرعة انتقاله من حالة الوجود إلى جالة العدم، فكان حالة الوجود ما سبقت له. وفي مصحف أبي : كأن لم تغن بالأمس، وما كنا لنهلكها إلا بذنوب أهلها. وفي التحرير نفصل الآيات، رواه عنه ابن عباس. وقيل في مصحفه : وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها. وفي التحرير : وكان أبو سلمة بن عبد الرحمن يقرأ في قراءة أبيّ كأن لم تغن بالأمس، وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها، ولا يحسن أن يقرأ حد بهذه القراءة لأنها مخالفة لخط المصحف الذي أجمع عليه الصحابة والتابعون انتهى. كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون أي : مثل هذا التفصيل الذي فصلناه في الماضي، نفصل في المستقبل. وقرأ أبو الدرداء : لقوم يتذكرون بالذال بدل الفاء.
﴿وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلَـامِ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ : لما ذكّر مثل الحياة الدنيا وما يؤول إليه من الفناء والاضمحلال، وما
١٤٤
تضمنه من الآفات والعاهات، ذكر تعالى أنه داع إلى دار السلامة والصحة والأمن، وهي الجنة، إذ أهلها سالمون من كل مكروه. ويجوز أن يكون تعالى أضافها إلى اسمه الشريف على سبيل التعظيم لها والتشريف كما قيل : بيت الله، وناقة الله، ويجوز أن تكون مضافة إلى السلامة بمعنى التسليم لفشوّ ذلك بينهم، ولتسليم الملائكة عليهم كما قال :﴿لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلا قِيلا سَلَـامًا سَلَـامًا﴾. قال الحسن : إن السلام لا ينقطع عن أهل الجنة وهو تحيتهم كما قال تعالى :﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَـامٌ﴾ وقد وردت في دعوة الله عباده أحاديث. وقال قتادة : ذكر لنا أنّ في التوراة مكتوباً يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشرّ انته. ولما كان الدعاء عامًّاً لم تتقيد بالمشيئة، ولما كانت الهداية خاصة تقيدت بالمشيئة فقال : ويهدي من يشاء. وقال الزمخشري : ويهدي يوفق من يشاء، وهم الذين علم أنّ اللطف يجدي عليهم، لأن مشيئته تابعة لحكمته.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٠
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٥
١٤٥


الصفحة التالية
Icon