قال الزمخشري :(فإن قلت) : إذا جعلت مظلماً حالاً من الليل، فما العامل فيه ؟ (قلت) : لا يخلو إما أن يكون أغشيت، من قبل أنّ من الليل صفة لقوله : قطعاً، فكان إفضاؤه إلى الموصوف كإفضائه إلى الصفة. وإما أن يكون معنى الفعل في من الليل انتهى. أما الوجه الأوّل فهو بعيد، لأنّ الأصل أن يكون العامل في الحال هو العامل في ذي الحال، والعامل في الليل هو مستقر الواصل إليه بمن، وأغشيت عامل في قوله : قطعاً الموصوف بقوله : من الليل، فاختلفا فلذلك كان الوجه الأخير أولى أي : قطعاً مستقرة من الليل، أو كائنة من الليل في حال إظلامه. وقيل : مظلماً حال من قوله : قطعاً، أو صفة. وذكر في هذين التوجيهين لأنّ قطعاً في معنى كثير، فلوحظ فيه الإفراد والتذكير. وجوزوا أيضاً في قراءة من سكن الطاء أن يكون مظلماً حالاً من قطع، وحالاً من الضمير في من. قال ابن عطية : فإذا كان نعتاً يعني : مظلماً نعتاً لقطع، فكان حقه أن يكون قبل الجملة، ولكن قد يجيء بعد هذا، وتقدير الجملة، قطعاً استقر من الليل مظلماً على نحو قوله :﴿وَهَـاذَا كِتَـابٌ أَنزَلْنَـاهُ مُبَارَكٌ﴾ انتهى. ولا يتعين تقدير العامل في المجرور بالفعل فيكون جملة، بل الظاهر أن يقدر باسم الفاعل، فيكون من قبيل الوصف بالمفرد والتقدير : كائناً من الليل مظلماً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٥
﴿نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُم فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُم وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ﴾ : الضمير في نحشرهم عائد على من تقدم ذكرهم من ﴿الَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾ ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا ﴾ وقرأ الحسن وشيبة والقراء السبعة : نحشرهم بالنون، وقرأت فرقة بالياء. وقيل : يعود الضمير على الذين كسبوا السيئات، ومنهم عابد غير الله، ومن لا يعبد شيئاً. وانتصب يوم على فعل محذوف أي : ذكرهم أو خوفهم ونحوه. وجميعاً حال، والشركاء الشياطين أو الملائكة أو الأصنام أو من عبد من دون الله كائناً من كان أربعة أقوال. ومن قال : الأصنام، قال : ينفخ فيها الروح فينطقها الله بذلك مكان الشفاعة التي علقوا بها أطماعهم. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلّم :"أن الكفار إذا رأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب قيل لهم : اتبعوا ما كنتم تعبدون، فيقولون والله لإياكم كنا نعبد، فتقول الآلهة : فكفى بالله شهيداً" الآية. قال ابن عطية : فظاهر هذه الآية أنّ محاورتهم إنما هي مع الأصنام دون الملائكة وعيسى ابن مريم، بدليل القول لهم : مكانكم أنتم وشركاؤكم، ودون فرعون ومن عبد من الجن بدليل قولهم : إن كنا عن عبادتكم لغافلين. وهؤلاء لم يغفلوا قط عن عبادة من عبدهم. ومكانكم عده النحويون في أسماء الأفعال، وقد ربا ثبتوا كما قال :
وقولي كلما جشأت وجاشتمكانك تحمدي أو تستريحي
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٥
أي اثبتي. ولكونها بمعنى اثبتي جزم تحمدي، وتحملت ضميراً فأكد وعطف عليه في قوله : أنتم وشركاؤكم. والحركة التي في مكانك ودونك، أهي حركة إعراب، أو حركة بناء تبتني على الخلاف الذي بين النحويين في أسماء الأفعال ؟ ألها موضع من الإعراب أم لا ؟ فمن قال : هي في موضع نصب جعل الحركة إعراباً، ومن قال : لا موضع لها من الإعراب جعلها حركة بناء. وعلى الأول عول الزمخشري فقال : مكانكم الزموا مكانكم لا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل بكم. واختلفوا في أنتم، فالظاهر ما ذكرناه من أنه تأكيد للضمير المستكن في مكانكم، وشركاؤكم عطف على ذلك الضمير المستكن وهو قول الزمخشري قال : وأنتم أكّد به الضمير في مكانكم لسده مسد قوله : الزموا وشركاؤكم عطف عليه انتهى. يعني عطفاً على الضمير المستكن، وتقديره : الزموا، وأنّ مكانكم قام مقامه، فيحمل الضمير الذي
١٥١


الصفحة التالية
Icon