جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٥
وإذا خفيت على المعني فعاذرأن لا تراءى مقلة عمياء
ولما ذكر تعالى هؤلاء الأشقياء، ذكر تعالى أنه لا يظلمهم شيئاً، إذ قد أزاح عللهم ببعثة الرسل وتحذيرهم من عقابه، ولكن هم ظالمو أنفسهم بالكفر والتكذيب. واحتمل هذا النفي للظلم أنْ يكون في
١٦١
الدنيا أي : لا يظلمهم شيئاً من مصالحهم، واحتمل أن يكون في الآخرة وأن ما يلحقهم من العقاب هو عدل منه، لأنهم هم الذين تسببوا فيه باكتساب ذنوبهم كما قدّر تعالى عليهم لا يسأل عما يفعل. وتقدم خلاف القراء في، ولكنّ الناس من تشديد النون ونصب الناس وتخفيفها والرفع.
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُم قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَآءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا ﴾ : قرأ الأعمش وحفص : يحشرهم بالياء راجعاً الضمير غائباً عائداً على الله، إذ تقدّم ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْـاًا﴾ ولما ذكر أولئك الأشقياء أتبعه بالوعيد، ووصف حالهم يوم القيامة والمعنى : كأن لم يلبثوا في الدنيا أو في القبور يعني : فقليل لبثهم، وذلك لهول ما يعاينون من شدائد القيامة، أو لطول يوم القيامة ووقوفهم للحساب. قال ابن عباس : رأوا أنّ طول أعمارهم في مقابلة الخلود كساعة. قال ابن عطية : ويوم ظرف، ونصبه يصح بفعل مضمر تقديره : واذكر. ويصح أن ينتصب بالفعل الذي يتضمنه قوله : كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار، ويصح نصبه بيتعارفون، والكاف من قوله : كأن، يصح أنْ تكون في موضع الصفة لليوم، ويصح أن تكون في موضع نعت للمصدر كأنه قال : ويوم نحشرهم حشراً كأن لم يلبثوا، ويصح أن يكون قوله : كأن لم يلبثوا في موضع الحال من الضمير في نحشرهم انتهى. أما قوله : ويصح أن ينتصب بالفعل الذي يتضمنه كأن لم يلبثوا فإنه كلام مجمل لم يبين الفعل الذي يتضمنه كأن لم يلبثوا، ولعله أراد ما قاله الحوفي : من أن الكاف في موضع نصب بما تضمنت من معنى الكلام وهو السرعة انتهى. فيكون التقدير : ويوم نحشرهم يسرعون كأن لم يلبثوا، وأما قوله : والكاف من قوله كأن، يصح أن تكون في موضع الصفة لليوم، فلا يصح لأنّ يوم نحشرهم معرفة، والجمل نكرات، ولا تنعت المعرفة بالنكرة. لا يقال : إنّ الجمل الذي يضاف إليها أسماء الزمان نكرة على الإطلاق، لأنها إن كانت في التقدير تنحل إلى معرفة، فهن ما أضيف إليها يتعرف وإن كانت تنحل إلى نكرة كان ما أضيف إليها نكرة، تقول : مررت في يوم قدم زيد الماضي، فتصف يوم بالمعرفة، وجئت ليلة قدم زيد المباركة علينا. وأيضاً فكأن لم يلبثوا لا يمكن أن يكون صفة لليوم من
١٦٢
جهة المعنى، لأنّ ذلك من وصف المحشورين لا من وصف يوم حشرهم. وقد تكلف بعضهم تقدير محذوف بربط فقدره : كأن لم يلبثوا قبله، فحذف قبله أي قبل اليوم، وحذف مثل هذا الرابط لا يجوز. فالظاهر أنها جملة حالية من مفعول نحشرهم كما قاله ابن عطية آخراً، وكذا أعربه الزمخشري وأبو البقاء.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٥


الصفحة التالية
Icon