﴿قُلْ أَرَءَيْتُم مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَـالا قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُم أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ : مناسبة هذه الآية لما قبلها هي أنه لما ذكر تعالى :﴿تُرْجَعُونَ * يَـا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ وكان المراد بذلك كتاب الله المشتمل على التحليل والتحريم، بيّن فساد شرائعهم وأحكامهم من الحلال والحرام من غير مستند في ذلك إلى وحْي. وأرأيتم هنا بمعنى أخبروني. وجوزوا في ما أنزل أن تكون موصولة مفعولاً أولا لأرأيتم، والعائد عليها محذوف، والمفعول الثاني قوله : آلله أذن لكم، والعائد على المبتدأ من الخبر محذوف تقديره : آلله أذن لكم فيه، وكرر قلْ قبل الخبر على سبيل التوكيد. وأن تكون ما استفهامية منصوبة بأنزل قاله : الحوفي والزمخشري. وقيل : ما استفهامية مبتدأة، والضمير من الخبر محذوف تقديره : آلله أذن لكم فيه أو به، وهذا ضعيف لحذف هذا العائد. وجعل ما موصولة هو الوجه، لأن فيه إبقاء. أرأيت على بابها من كونها تتعدى إلى الأول فتؤثر فيه، بخلاف جعلها استفهامية، فإنْ أرأيت إذ ذاك تكون معلقة، ويكون ما قد سدّت مسد المفعولين، والظاهر أنّ أم متصلة والمعنى : أخبروني آلله إذن لكم في التحليل والتحريم، فأنتم تفعلون ذلك بأذنه أم تكذبون على الله في نسبة ذلك إليه ؟ فنبه بتوقيفهم على أحد القسمين، وهم لا يمكنهم ادعاء إذن الله في ذلك فثبت افتراؤهم. وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون الهمزة للإنكار، وأم منقطعة بمعنى بل، أتفترون على الله تقريراً للافتراء انتهى، وأنزل هنا قيل معناه : خلق كقوله :﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ ﴿وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الانْعَـامِ ثَمَـانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾. وقيل : أنزل على بابها وهو على حذف مضاف أي : من سبب رزق وهو المطر. وقال ابن عطية : أنزل لفظة فيها تجوز، وإنزال الرزق إما أن يكون في ضمن إنزال المطر بالمآل، ونزول الأمر به الذي هو ظهور الأثر في المخلوق منه المخترع والمجعول حراماً وحلالاً. قال مجاهد : هو ما حكموا به من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام. وقال الضحاك : هو إشارة إلى قوله :
١٧٢
﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالانْعَـامِ نَصِيبًا﴾.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٥
﴿وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَـامَةِا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ﴾ : ما استفهامية مبتدأة خبرها ظن، والمعنى : أي شي ظن المفترين يوم القيامة، أبهم الأمر على سبيل التهديد، والإبعاد يوم يكون الجزاء بالإحسان والإساءة. ويوم منصوب بظن، ومعمول الظن قيل : تقدير ما ظنهم أّن الله فاعل بهم، أينجيهم أم يعذبهم. وقرأ عيسى بن عمرو : ما ظن جعله فعلاً ماضياً أي أي ظن الذين يفترون، فما في موضع نصب على المصدر، وما الاستفهامية قد تنوب عن المصدر تقول : ما تضرب زيداً تريد أي : رب تضرب زيداً.
وقال الشاعر :
ماذا يغير ابنتي ريع عويلهمالا يرقدان ولا بؤسي لمن رقدا
وجيء بلفظ ظنّ ماضياً لأنه كائن لا محالة فكأن قد كان، والأولى أن يكون ظن في معنى يظن، لكونه عاملاً في يوم القيامة. وهو ظرف مستقبل، وفضله تعالى على الناس حيث أنعم عليهم ورحمهم، فأرسل إليهم الرسل، وفصل لهم الحلال والحرام، وأثرهم لا يشكر هذه النعمة.
﴿وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِن قُرْءَانٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِا وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الارْضِ وَلا فِى السَّمَآءِ وَلا أَصْغَرَ مِن ذَالِكَ﴾ : مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر جملة من أحوال الكفار ومذاهبهم والرد عليهم، ومحاورة الرسول صلى الله عليه وسلّم لهم، وذكر فضله تعالى على الناس وأن أكثرهم لا يشكره على فضله، ذكر تعالى اطلاعه على أحوالهم وحال الرسول معهم في مجاهدته لهم، وتلاوة القرآن عليهم، وأنه تعالى عالم بجميع أعمالهم، واستطرد من ذلك إلى ذكر أولياء الله تعالى، ليظهر التفاوت بين الفريقين
١٧٣


الصفحة التالية
Icon