أولياء الله هم الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة. وقد فسر ذلك في قوله :﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ وعن سعيد بن جبير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سئل عن أولياء الله فقال :﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ﴾ يعني السمت والهيئة. وعن ابن عباس : الإخبات والسكينة. وقيل : هم المتحابون في الله. قال ابن عطية : وهذه الآية يعطي ظاهرها أن من آمن واتقى فهو داخل في أولياء الله، وهذا هو الذي تقتضيه الشريعة في الولي، وإنما نبهنا هذا التنبيه حذراً من مذهب الصوفية وبعض الملحدين في الولي انتهى. وإنما قال : حذراً من مذهب الصوفية، لأن بعضهم نقل عنه أنّ الولي أفضل من النبي، وهذا لا يكاد يخطر في قلب مسلم. ولابن العربي الطائي كلام في الولي وفي غيره نعوذ بالله منه. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال :"إنّ من عباد الله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله" قالوا : يا رسول الله ومن هم ؟ قال :"قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام ولا أموال يتعاطونها، فوالله إنّ وجوههم لتنور، وإنهم لعلى منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ : ألا إن أولياء الله" الآية وتقدم تفسير لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين يحتمل أن يكون منصوباً على الصفة قاله الزمخشري، أو على البدل قاله ابن عطية، أو بإضمار أمدح، ومرفوعاً على إضمارهم، أو على الابتداء، والخبر لهم البشرى. وأجاز الكوفيون رفعه على موضع أولياء نعتاً، أو بدلاً، وأجيز فيه الخبر بدلاً من ضمير عليهم. وفي قوله : وكانوا يتقون، إشعار بمصاحبتهم للتقوى مدة حياتهم، فحالهم في المستقبل كحالهم في الماضي. وبشراهم في الحياة الدنيا تظاهرت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم "أنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن" أو "ترى له" فسرها بذلك وقد سئل. وعنه في صحيح مسلم :"لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة" وقال قتادة والضحاك : هي ما يبشر به المؤمن عند موته وهو حي عند المعاينة. وقيل : هي محبة الناس له، والذكر الحسن. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الرجل يعمل العمل لله ويحبه الناس : فقال :"تلك عاجل بشرى المؤمن" وعن عطاء : لهم البشرى عند الموت تأتيهم الملائكة بالرحمة. قال تعالى :﴿اسْتَقَـامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَئاِكَةُ﴾ الآية قال ابن عطية : ويصح أن تكون بشرى الدنيا في القرآن من الآيات المبشرات، ويقوي ذلك قوله في هذه الآية : لا تبديل لكلمات الله، وإن كان ذلك كله يعارضه قول النبي صلى الله عليه وسلّم :"هي الرؤيا" إلا إن قلنا : إنّ النبي صلى الله عليه وسلّم أعطى مثالاً من البشرى وهي تعم جميع البشر. وبشراهم في الآخرة تلقى الملائكة إياهم مسلمين مبشرين بالنور والكرامة، وما يرون من بياض وجوههم، وإعطاء الصحف بأيمانهم، وما يقرؤون منها، وغير ذلك من البشارات. لا تبديل لكلمات الله، لا تغيير لأقواله، ولا خلف في مواعيده كقوله :﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ﴾ والظاهر أنّ ذلك إشارة إلى التبشير والبشرى في معناه. قال الزمخشري : وذلك إشارة إلى كونهم مبشرين في الدارين. وقال ابن عطية : إشارة إلى النعيم الذي
١٧٥
وقعت به البشرى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٥
﴿وَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُم إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَن فِى الارْضِا وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَآءَا إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ﴾ : إما أن يكون قولهم أريد به بعض أفراده وهو التكذيب والتهديد وما يتشاورون به في أمر الرسول صلى الله عليه وسلّم، فيكون من إطلاق العام وأريد به الخاص. وإما أن يكون مما حذفت منه الصفة المخصصة أي : قولهم الدال على تكذيبك ومعاندتك، ثم استأنف بقوله : إنّ العزة لله جميعاً أي : لا عزة لهم ولا منعة، فهم لا يقدرون لك على شيء ولا يؤذونك، إن الغلبة والقهر لله، وهو القادر على الانتقام منهم، فلا يعازه شيء ولا يغالبه. وكأنّ قائلاً قال : لم لا يحزنه قولهم وهو مما يحزن ؟ فقيل : إنّ العزة لله جميعاً، ليس لهم منها شيء. وقرأ أبو حيوة : أنّ العزة بفتح الهمزة وليس معمولاً لقولهم : لأن ذلك لا يحزن الرسول صلى الله عليه وسلّم، إذ هو قول حق. وخرجت هذه القراءة على التعليل أي : لا يقع منك حزن لما يقولون، لأجل أنّ العزة لله جميعاً. ووجهت أيضاً على أن يكون إنّ العزة بدل من قولهم ولا يظهر هذا التوجيه.


الصفحة التالية
Icon