المناسبة ظاهرة في هذه الآية لما ذكرأن العزة له تعالى وهي القهر والغلبة، ذكر ما يناسب القهر وهو كون المخلوقات ملكاً له تعالى، ومن الأصل فيها أن تكون للعقلاء، وهنا هي شاملة لهم ولغيرهم على حكم التغليب، وحيث جيء بما كان تغليباً للكثرة إذ أكثر المخلوقات لا تعقل. وقال الزمخشري : يعني العقلاء المميزين وهم الملائكة والثقلان، وإنما خصهم ليؤذن أنّ هؤلاء إذا كانوا له في ملكه فهم عبيد كلهم، لا يصلح أحد منهم للربوبية، ولا أن يكون شريكاً فيها، فما دونهم مما لا يعقل أحق أن لا يكون نداً وشريكاً. ويدل على أنّ من اتخذ غيره رباً من ملك أو إنسي فضلاً عن صنم أو غير ذلك، فهو مبطل تابع لما أدّى إليه التقليد وترك النظر. والظاهر أنّ ما نافية، وشركاء مفعول يتبع، ومفعول يدعون محذوف لفهم المعنى تقديره : آلهة أو شركاء أي : أنّ الذين جعلوهم آلهة وأشركوهم مع الله في الربوبية ليسوا شركاء حقيقة، إذ الشركة في الألوهية مستحيلة، وإن كانوا قد أطلقوا عليهم اسم الشركاء. وجوزوا أن تكون ما استفهامية في موضع نصب بيتبع، وشركاء منصوب بيدعون أي : وأي شيء يتبع على تحقير المتبع، كأنه قيل : من يدعو شريكاً لله لا يتبع شيئاً. وأجاز الزمخشري أن تكون ما موصولة عطفاً على من، والعائد محذوف أي : والذي يتبعه الذين يدعون من دون الله شركاء أي : وله شركاؤهم. وأجاز غيره أن تكون ما موصولة في موضع رفع على الابتداء، والخبر محذوف تقديره : والذي يتبعه المشركون باطل. وقرأ السلمي : تدعون بالتاء على الخطاب. قال ابن عطية : وهي قراءة غير متجهة. وقال الزمخشري : وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه تدعون بالتاء، ووجهه أن يحمل وما يتبع على الاستفهام أي : وأي شيء يتبع الذين تدعونهم شركاء من الملائكة والنبيين، يعني : أنهم يبتعون الله تعالى ويطيعونه، فما لكم لا تفعلون مثل كقوله تعالى :﴿أُوالَئاِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ انتهى. وأنّ نافية أي : ما يتبعون إلا ظنهم أنهم شركاء. ويخرصون : يقدرون. ومن قرأ تدعون بالتاء كان قوله : إن يتبعون التفاتاً، إذ هو خروج من خطاب إلى غيبة.
﴿هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ : هذا تنبيه منه تعالى على عظيم قدرته وشمول نعمته لعباده، فهو المستحق لأنْ يفرد بالعبادة لتسكنوا فيه مما تقاسون من الحركة والتردّد في طلب المعاش وغيره بالنهار، وأضاف الأبصار إلى النهار مجازاً، لأن الأبصار تقع فيه كما قال :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٥
ونمت وما ليل المطيّ بنائم
أي : يبصرون فيه مطالب معايشهم. وقال قطرب : يقال أظلم الليل صار ذا ظلمة، وأضاء النهار وأبصر أي صار ذا ضياء وبصر انتهى. وذكر علة خلق الليل وهي قوله : لتسكنوا فيه، وحذفها من النهار، وذكر وصف النهار وحذفه من الليل، وكل من المحذوف يدل على مقابله، والتقدير : جعل الليل مظلماً لتسكنوا فيه، والنهار مبصراً لتحركوا فيه في مكاسبكم وما تحتاجون إليه بالحركة، ومعنى تسمعون : سماع معتبر.


الصفحة التالية
Icon