فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوىولا تُلْفَينّ إلا وأنفك راغم ومنصوب على أنه جواب اشدد بدأ به الزمخشري، ومعطوف على ليضلوا على أنه منصوب قاله : الأخفش وغيره. وما بينهما اعتراض، أو على أنه مجزوم عل قول من قال : إن لام ليضلوا لام الدعاء، وكان رؤية العذاب غاية ونهاية، لأن الإيمان إذ ذاك لا ينفع ولا تخرج من الكفر، وكان العذاب الأليم غرقهم. وقال ابن عباس : قال محمد بن كعب : كان موسى يدعو وهارون يؤمن، فنسبت الدعوة إليهما. ويمكن أن يكونا دعوا، ويبعد قول من قال : كنى عن الواحد بلفظ التثنية، لأن الآية تضمنت بعد مخاطبتهما في غير شيء. وروي عن ابن جريج، ومحمد بن علي، والضحاك : أن الدعوة لم تظهر إجابتها إلا بعد أربعين سنة، وأعلما أن دعاء هما صادف مقدوراً، وهذا معنى إجابة الدعاء. وقيل لهما : لا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون أي في أن تستعجلا قضائي، فإن وعدي لا خلف له. وقرأ السلمي والضحاك : دعواتكما على الجمع. وقرأ ابن السميقع : قد أجبت دعوتكما خبراً عن الله تعالى، ونصب دعوة والربيع دعوتيكما، وهذا يؤكد قول من قال : إن هارون دعا مع موسى. وقراءة دعوتيكما تدل على أنه قرأ قد أجبت على أنه فعل وفاعل، ثم أمرا بالاستقامة، والمعنى : الديمومة عليها وعلى ما أمرتما به من الدعوة إلى الله تعالى، وإلزام حجة الله. وقرأ الجمهور : تتبعان بتشديد التاء والنون، وابن عباس وابن ذكوان بتخفيف التاء وشد النون، وابن ذكوان أيضاً بتشديد التاء وتخفيف النون، وفرقة بتخفيف التاء وسكون النون، وروى ذلك الأخفش الدمشقي عن أصحابه عن ابن عامر، فأما شد النون فعلى أنها نون التوكيد الشديدة لحقت فعل النهي المتصل به ضمير الاثنين، وأما تخفيفها
١٨٧
مكسورة فقيل : هي نون التوكيد الخفيفة، وكسرت كما كسرت الشديدة. وقد حكى النحويون كسر النون الخفيفة في مثل هذا عن العرب، ومذهب سيبويه والكسائي أنها لا تدخل هنا الخفيفة، ويونس والفراء يريان ذلك. وقيل : النون المكسورة الخفيفة هي علامة الرفع، والفعل منفي، والمراد منه النهي، أو هو خبر في موضع الحال أي : غير متبعين قاله الفارسي. والذين لا يعلمون فرعون وقومه قاله : ابن عباس. أو الذين يستعجلون القضاء قبل مجيئه، ذكره أبو سليمان.
﴿وَجَـاوَزْنَا بِبَنِى إسرائيل الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُه بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَآ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّه لا إله إِلا﴾ : قرأ الحسن وجوَّزنا بتشديد الواو، وتقدّم الكلام في الباء في ببني إسرائيل، وكم كان الذين جازوا مع موسى عليه السلام في سورة الأعراف. وقرأ الحسن وقتادة فاتبعهم بتشديد التاء. وقرأ الجمهور : وجاوزنا فاتبعهم رباعياً، قال الزمخشري : وليس من جوز الذي في بيت الأعشى :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٦
وإذا تجوزها جبال قبيلة
لأنه لو كان منه لكان حقه أن يقال : وجوزنا ببني إسرائيل في البحر كما قال :
كما جوز السبكي في الباب فينقانتهى
وقال الحوفي : تبع واتبع بمعنى واحد. وقال الزمخشري : فاتبعهم لحقهم، يقال : تبعه حتى اتبعه. وفي اللوامح : تبعه إذا مشى خلفه، واتبعه كذلك، إلا أنه حاذاه في المشي واتبعه لحقه، ومنه العامة يعني : ومنه قراءة العامة فاتبعهم وجنود فرعون قيل : ألف ألف وستمائة ألف. وقيل : غير ذلك. وقرأ الحسن : وعدوا على وزن علو، وتقدمت في الإنهام. وعدوا وعدوّا من العدوان، واتباع فرعون هو في مجاوزة البحر. روي أن فرعون لما انتهى إلى البحر فوجده قد انفرق ومضى فيه بنو إسرائيل قال لقومه : إنما انلفق بأمري، وكان على فرس ذكر فبعث الله إليه جبريل عليه السلام على فرس أنثى، ودنوا فدخل بها البحر ولج فرس فرعون ورآه ونب الجيوش خلفه، فلما رأى أنّ الانفراق ثبت له استمر، وبعث الله ميكائيل عليه السلام يسوق الناس حتى حصل جميعهم في البحر فانطبق عليهم. وقرأ الجمهور : أنه بفتح الهمزة على حذف الباء. وقرأ الكسائي وحمزة : بكسرها على الاستئناف ابتداء كلام، أو بدلاً من آمنت، أو على إضمار القول أي : قائلاً أنه. ولما حلقه من الدهش ما لحقه كرر المعنى بثلاث عبارات، إما على سبيل التلعثم إذ ذلك مقام تحار فيه القلوب، أو حرصاً على القبول ولم يقبل الله منه إذ فاته وقت القبول وهو حالة الاختيار وبقاء التكليف، والتوبة بعد المعاينة تنفع. ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِا﴾ وتقدم الخلاف في قراءة آلآن في قوله :﴿وَقَدْ كُنتُم بِهِ﴾ والمعنى : أتؤمن الساعة في حال الاضطرار حين أدركك الغرق وأيست من نفسك ؟ قيل : قال ذلك حين ألجمه الغرق. وقيل : بعد أنْ غرق في نفسه. قال الزمخشري : والذي يحكى أنه حين قال : آمنت، أخذ جبريل من حال البحر فدسه في فيه، فللغضب في الله تعالى على حال الكافر في وقت قد علم
١٨٨


الصفحة التالية
Icon