﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى شَكٍّ مِّن دِينِى فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَاكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِى يَتَوَفَّااكُم وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ خطاب لأهل مكة يقول : إن كنتم لا تعرفون ما أنا عليه فأنا أبينه لكم، فبدأ أولاً بالانتفاء من عبادة ما يعبدون من الأصنام تسفيهاً لآرائهم، وأثبت ثانياً من الذي يعبده وهو الله الذي يتوفاكم. وفي ذكر هذا الوصف الوسط الدال على التوفي. دلالة على البدء وهو الخلق، وعلى الإعادة، فكأنه أشار إلى أنه يعبد الله الذي خلقكم ويتوفاكم ويعيدكم، وكثيراً ما صرح في القرآن بهذه الأطوار الثلاثة، وكان التصريح بهذا الوصف لما فيه من التذكير بالموت وإرهاب النفوس به، وصيرورتهم إلى الله بعده، فهو الجدير بأنْ يخاف ويتقي ويعبد لا الحجارة التي تعبدونها. وأمرت أن أكون من المؤمنين لما ذكر أنه يعبد الله، وكانت العبادة أغلب ما عليها عمل الجوارح، أخبر أنه أمر بأن يكون من المصدقين بالله الموحدين له، المفرد له بالعبادة، وانتقل من عمل الجوارح إلى نور المعرفة، وطابق الباطن الظاهر. قال الزمخشري : يعني أن الله تعالى أمرني بما ركب فيّ من العقل، وبما أوحي إليّ في كتابه. وقيل معناه إن كنتم في شك من ديني ومما أنا عليه، أأثبت أم أتركه وأوافقكم، فلا تحدثوا أنفسكم بالمحال، ولا تشكوا في أمري، واقطعوا عني أطماعكم، واعلموا أني لا أعبد الذين تعبدون من دون الله، ولا أختار الضلالة على الهدى كقوله :﴿قُلْ يَا أَهْلَ﴾ وأمرت أن أكون أصله : بأن أكون، فحذف الجار وهذا الحذف
١٩٥
يحتمل أن يكون من الحذف المطرد الذي هو حذف الحروف الجارة، مع أنّ وإن يكون من الحذف غير المطرد وهو قوله : أمرتك الخير ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ انتهى يعني بالحذف غير المطرد وهو قوله : أمرتك الخير، إنه لا يحذف حرف الجر من المفعول الثاني إلا في أفعال محصورة سماعاً لا قياساً وهي : اختار، واستغفر، وأمر، وسمى، ولبى، ودعا بمعنى سمى، وزوّج، وصدّق، خلافاً لمن قاس الحذف بحرف الجر من المفعول الثاني، حيث يعني الحرف ووموضع الحذف نحو : بريت القلم بالسكين، فيجيز السكين بالنصب. وجواب إن كنتم في شك قوله : فلا أعبد، والتقدير : فأنا لا أعبد، لأنّ الفعل المنفي بلا إذا وقع جواباً انجزم، فإذا دخلت عليه الفاء علم أنه على إضمار المبتدأ. وكذلك لو ارتفع دون لا لقوله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٦