﴿وَلَـاِنْ أَذَقْنَا الانسَـانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَـاهَا مِنْهُ إِنَّه لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَـاِنْ أَذَقْنَـاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّيا إِنَّه لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ أُوالَـا ئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ : لما ذكر تعالى عذاب الكفار وإنْ تأخر لا بد أن يحيق بهم، ذكر ما يدل على كفرهم وكونهم مستحقين العذاب لما جبلوا عليه من كفر نعماء الله، وما يترتب على إحسانه تعالى إليهم مما لا يليق بهم من فخرهم على عباد الله. والظاهر أنّ الإنسان هنا هو جنس، والمعنى إن هذا الخلق في سجايا الناس، ثم استثنى منهم الذين ردّتهم الشرائع والإيمان إلى الصبر والعمل الصالح، ولذلك جاء الاستثناء منه في قوله : إلا الذين صبروا متصلاً. وقيل : المراد هنا بالإنسان الكافر. وقيل : المراد به إنسان معين، فقال ابن عباس : هو الوليد بن المغيرة، وفيه نزلت. وقيل : عبد الله بن أمية المخزومي، وذكره الواحدي، وعلى هذين القولين يكون استثناء منقطعاً ومعنى رحمة : نعمة من صحة، وأمن وجدة، ثم نزعناها أي سلبناها منه. ويؤوس كفور، صفتا مبالغة والمعنى : إنه شديد اليأس كثيرة، ييأس أنْ يعود إليه مثل تلك النعمة المسلوبة، ويقطع رجاءه من فضل الله من غير صبر ولا تسليم لقضائه. كفور كثير الكفر، إن لما سلف لله عليه من نعمة ذكر حالة الإنسان إذ بدىء بالنعمة ولم يسبقه الضر، ثم ذكر حاله إذا جاءته النعمة بعد الضر. ومعنى ذهب السيئات أي : المصائب التي تسوءني. وقوله هذا يقتضي نظراً وجهلاً، لأن ذلك بإنعام من الله، وهو يعتقد أنّ ذلك اتفاق أو يسعد، وهو اعتقاد فاسد. إنه لفرح أشر بطر، وهذا الفرح مطلق، فلذلك ذم المتصف به، ولم يأت في القرآن للمدح إلا مقيداً بما فيه خير كقوله :﴿فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَـاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ وقرأ الجمهور : لفرح بكسر الراء، وهي قياس اسم الفاعل من فعل اللازم. وقرأت فرقة : لفرح بضم الراء، وهي كما تقول : ندس، ونطس. وفخره هو تعاظمه على الناس بما أصابه من النعماء، واستثنى تعالى الصابرين يعني على الضراء وعاملي الصالحات. ومنها الشكر على النعماء. أولئك لهم مغفرة لذنوبهم يقتضي زوال العقاب والخلاص منه، وأجر كبير هو الجنة، فيقتضي الفوز بالثواب. ووصف الأجر بقوله : كبير، لما احتوى عليه من النعيم السرمدي ورفع التكاليف، وإلا من العذاب، ورضا الله عنهم، والنظر إلى وجهه الكريم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٨
﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكُا بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقُا بِهِا صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلا أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَه مَلَكٌا إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ﴾ : قال الزمخشري : كانوا يقترحون عليه آيات تعنتاً لا استرشاد، لأنهم لو كانوا مسترشدين لكانت آية واحدة مما جاء به كافية في رشادهم. ومن اقتراحاتهم : لولا أنزل عليه كنز، أو جاء معه ملك، وكانوا لا يعتدون بالقرآن، ويتهاونون به وبغيره مما جاء به من البينات، فكان يضيق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يلقي إليهم ما لا يقبلونه ويضحكون منه، فحرك الله منه وهيجه لأداء الرسالة وطرح المبالاة بردهم واستهزائهم واقتراحهم بقوله : فلعلك تارك بعض ما يوحي إليك أي : لعلك
٢٠٦
تترك أن تلقيه إليهم، وتبلغه إياهم مخافة ردهم وتهاونهم به، وضائق به صدرك بأنْ تتلو عليهم أن يقولوا مخافة أن يقولوا : لولا أنزل عليه كنز، هلا أنزل عليه ما اقترحنا نحن من الكنز والملائكة، ولم ينزل عليه ما لا نريده ولا نقترحه. ثم قال : إنما أنت نذير أي : ليس عليك إلا أن تنذرهم بما أوحي إليك، وتبلغهم ما أمرت بتبليغه، ولا عليك ردّوا أو تهاونوا أو اقترحوا، والله على كل شيء وكيل يحفظ ما يقولون، وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل، فتوكل عليه، وكل أمرك إليه.


الصفحة التالية
Icon